حكى لى أحد الأصدقاء مرة، أن الصحف قديماً حينما كانت تستخدم الرصاص فى الطباعة، حيث يتم تكوين الأحرف ثم صهرها بعد ذلك، كانت هناك عبارات لا تصهر لأن استخداماتها كثيرة، مثل جملة «صدى عالمى لخطاب الرئيس عبدالناصر».. ويبدو أن هذه العادة استمرت مع الرئيسين السادات ومبارك من قبل الصحف، حتى بعد تطور الطباعة، فأصبحت كل خطابات الرؤساء ذات صدى عالمى، فأهدرت على القراء حقهم فى الوقوف أمام بعض الخطابات التاريخية للرؤساء، مثل ذلك الخطاب الذى ألقاه الرئيس مبارك فى القمة العربية بالكويت، والذى جاءت عباراته قوية وحاسمة وتميزت بالكبرياء المصرى واستردت الكرامة المصرية فى المنطقة بعد أن اهتزت خلال بعض أيام الأزمة نتيجة الأداء الضعيف لبعض وزراء الحكومة المصرية. أكدت الأزمة نقل الدور المصرى عربياً وإقليمياً ودولياً، فهى الدولة الوحيدة التى استطاعت تحقيق نتائج ملموسة، واستمع لها الجميع وسط اتهامات عربية وإقليمية لها بالخيانة والتحريض العلنى لدفعها للحرب أو عزلها عن المنطقة، بينما لم يقدم الآخرون للقضية الفلسطينية سوى الشعارات، فمثلاً خرج الرئيس السورى بشار الأسد ليؤكد «أن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة»، مقلداً الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لكن شتان الفارق بين ناصر والأسد، فالأول كان يقول ويفعل أما الثانى فيكتفى بالكلام فقط.. أما أمير قطر الذى يبحث عن دور لبلاده فى المنطقة، وعقد اجتماعاً للرؤساء العرب أطلق عليه اسم «القمة»، ثم اكتشف بعدها بساعات فى الكويت المعنى الحقيقى لكلمة «القمة»، كما فشلت قطر فى فرض وجود إيران وحماس داخل قمة الكويت. يبدو أن الخاسرين فى هذه المعركة كثيرون، فبالإضافة إلى الشعب الفلسطينى، هناك حركة حماس وقادتها الذين أثبتت الأزمة ضعف رؤيتهم السياسية وتكالبهم على السلطة والأموال، فلم يستح خالد مشعل من أن يطالب بعد قمة الكويت، التى لم يحضرها، بأن تذهب أموال إعادة إعمار غزة إليهم وليس إلى الفاسدين «ويقصد بهم منظمة التحرير الفلسطينية»، فرغم أن الرئيس عباس أبومازن دعا الفصائل للتوحد ونبذ الخلافات أثناء القمة، لكن يبدو أن مشعل لا يهمه القضية الفلسطينية بقدر اهتمامه بالسلطة وتنفيذ الأجندة الخارجية وهو اتجاه الإخوان المسلمين نفسه فى مصر، الذين نظموا المظاهرات دفاعاً عن حماس واستغلوا عاطفة الشعب المصرى لابتزاز النظام المصرى وكأنهم فصيل سياسى يعبر عن شعب آخر ودولة أخرى.. ولم يستحِ «الإخوان المسلمين» من رفع شعارات تساند «حماس»، وتتهم النظام الحاكم بالخيانة حتى وصل الأمر إلى رفع «الأحذية» فى مجلس الشعب. ** عبدالبارى عطوان هو الفائز الخاسر فى هذه الأزمة، فقد وجه لمصر أبشع التهم خلال أيام العدوان، بينما «روج» لسياسات قطر وسوريا وحماس.. وقد خسر عطوان بعد المصالحة التى جمعت مصر وسوريا والسعودية وقطر خلال قمة الكويت.. فقد انتهى فى هذه اللحظة دوره فى قناة «الجزيرة».. حتى خطاب الرئيس مبارك لم يعجب «عطوان»، الذى أعتقد أنه أصبح وجهاً «محروقاً» بعد هذه الأزمة.. لقد استرد مبارك بتحركاته وخطابه، الكثير من الكرامة المصرية التى خططت لها بعض الدول وساعدتها بلا وعى أو رؤية بعض أجهزة الحكومة المصرية التى مارست مجموعة من الأخطاء المتشابكة، أثبتت عدم كفاءة القائمين عليها بالمشاركة فى إدارة دولة بحجم مصر.. وإذا كان مبارك قد كشف المخطط الخارجى فى نهاية الأزمة بخطابه خلال قمة الكويت، فيجب أن يكشف أخطاء الوزراء المصريين فى خطاب داخلى أو عبر قرارات تغيير شاملة، بعد أن أصبح الفشل يمثل منظومة متكاملة فى الحكومة المصرية. [email protected]