فى مطلع سنة 1968، اندلعت مظاهرات الطلاب الغاضبة فى مختلف جامعات مصر، احتجاجا على فضيحة الهزيمة ومحاكمات سلاح الطيران، وكانت هذه هى المرة الأولى التى يتحرك فيها الطلاب بعد سنوات طوال من الكبت والقهر وتسميع الشعارات الجوفاء حول «الحرية والاشتراكية والوحدة» وكانت تلك المظاهرات من العنف بحيث سقط فيها بعض القتلى من الطلاب، ومع ذلك يبدو أن النظام الحاكم قد اقتنع أن الطلاب فصيل وطنى مخلص، فسمح لهم بقدر معقول من حرية الحركة، ولمعت فى تلك المظاهرات أسماء: عبد المنعم سعيد، أسامة الغزالى حرب، طه عبد العليم، هشام السلامونى، هانى عنان، نبيل عتريس.. وغيرهم. ومات عبد الناصر، واتسع نطاق حرية الحركة والنشاط مع مجىء السادات الذى راح يبحث لنفسه عن شرعية خاصة بعيدا عن شرعية سلفه الكبير، خاصة بعد نجاحة فى إزاحة الجناح الناصرى من قمة السلطة بعد أحداث مايو 1971، فسعى لاستبدال الشرعية الدستورية بالشرعية الثورية، واعلن نهاية المعتقلات. المهم تجاوبت الحركة الطلابية الصاعدة مع فورة الغضب الشعبى المطالب بمعركة الثأر واسترداد الأرض والكرامة. ولمع فجأة فى سماء الحركة الوطنية اسم الشيخ إمام عيسى وأحمد فؤاد نجم، يغنى الشيخ إمام: «فين آخر الصبر ياشيخ أيوب ولإمتى الحر يبات مغلوب.. الحرب الحرب/ولاغير الحرب سبيل/والضرب على ناصية كل ذليل/ والنار والعار لعدو الدار/ والموت للخاين والغدار»، أو يغنى للحركة الطلابية تحديدا: «رجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تانى/يامصر انتى اللى باقية وانتى قطف الأمانى/لاكورة نفعت ولا أونطة ولا المناقشة وجدل بيزنطة/ولا الصحافة والصحفجية شاغلين شبابنا عن القضية/قيموا لنا صهبة يا صهبجية ودوقونا طعم الأمانى». المهم راح الطلاب يقضون مضجع النظام بمظاهراتهم واعتصاماتهم، التى سيطروا فيها على ميدان التحرير، فراح السادات يكشر عن أنيابه ويعتقلهم، ولمعت فى هذا الوقت أسماء: الراحل النبيل أحمد عبد الله رزة، ومحمد السيد سعيد – عافاه الله وحفظه لمحبيه - واحمد بهاء الدين شعبان، وحلمى سالم، وأمير سالم، وكمال خليل..وغيرهم. ورغم الاعتقالات، وعمليات الكر والفر بين أجهزة الأمن وبين الطلاب، استمرت الحركة الطلابية تنبض بالحياة وعشق الوطن والاستعداد للموت فى سبيله، كنا نحن طلاب اليسار فى ذلك الوقت نقرأ عن الماركسية، والقوانين التى تحكم حركة المجتمع، وتاريخ الحركة الوطنية، والواقعية الاشتراكية، وراحت الجامعة تشتعل بالمظاهرات التى تهتف: « ياحاكمنا بالمباحث/كل الشعب بظلمك حاسس». وفى مساء يوم17 يناير سنة 1977، وفى ظل سعى حكومة ممدوح سالم للارتباط بالسوق العالمية أعلنت الحكومة قرارات رفع أسعار عشرات السلع والخدمات مثل: الخبز، السجائر، البنزين، الشاى، السكر، الأرز، الدقيق، الفاصوليا، المنسوجات، تعريفة المواصلات العامة، التمغة.. وغيرها، كما رفعت الدعم عن كثير غيرها. فانتفضت البلاد من أقصاها إلى أقصاها بالثورة منذ صباح 18 يناير، واستمرت الانتفاضة إلى اليوم التالى 19 يناير، ولم يتمكن السادات من إخماد الانتفاضة إلا باعلان حظر التجول ونزول الجيش إلى الشارع، لأول مرة منذ 23 يوليو 1952، ولم تخمد المظاهرات ويستعيد السادات سلطته إلا بعد سقوط 79 قتيلاً، و214 جريحاً، تلك هى الانتفاضة التى يحتفل جيل السبعينيات بها هذه الأيام، والتى أصبح تصور تكرارها حلما خياليا مستحيل الحدوث، بعد أن نجح النظام فى تقزيم وتشويه الجامعة، فلم يعد فيها إلا التطرف والأمن والفساد، وتدهور الإمكانية، واشتدت قبضة الأمن على الشارع وعلى الناس وتمطت حالة الطوارئ منذ أيام تلك الانتفاضة للآن، وأصبح دخول المعتقل طريقا إلى «سكة اللى يروح مايرجعش» واحتل النظام الحاكم كل فضاء العمل العام، ومساحة الحلم الوطنى، ولم يعد أمام الشباب سوى البحث عن لقمة العيش التى أضحت أملا بعيد المنال. [email protected]