نظرة أولاده وأحفاده والمجتمع المحيط به، لم تمنعه من إتمام ما ينوى القيام به، محمد الرفاعى «55 عاماً»، هو أكبر طلبة كلية الحقوق جامعة القاهرة سناً، فقد انتسب إلى الكلية منذ 3 أعوام ويؤدى هذا العام امتحانات شهادة الليسانس، رغم أنه كفيف، فقد بصره منذ أكثر من 20 عاماً. بدأ الرفاعى حياته نجاراً، ورث المهنة عن والده وظل يعمل بها إلى جوار دراسته، لكنه توقف عن الدراسة وتخصص فى صناعة الأثاث فى ورشة والده، وبعد فترة عمل فى وظيفة حكومية فى شركة نسيج، قرر أن يواصل تعليمه مرة أخرى، وحصل على بكالوريوس التجارة عام 1986 بعد أن أصبح أباً ل3 أولاد. إصابة «الرفاعى» فى مرحلة مبكرة من عمره، بمرض الجلوكوما أو «سارق النظر» كما يسمى.. تفاقمت، وفشلت الجراحات فى الحفاظ على ما تبقى من نظره، ففقده نهائياً فى بضع سنوات: «اللى بيتولد مكفوف مابيحسش باللى شاف نعيم الدنيا واتحرم منه، ساعتها حسيت إنى وحيد والدنيا كبيرة أوى، لكن إيمانى هون علىّ الموضوع، واضطريت أسيب الشغل وخرجت معاش للعجز، وقررت أرجع أشتغل نجار». عاد الرفاعى إلى ورشة والده فى الدرب الأحمر وطورها، وورث عنه عضوية فى جمعية «صناعة الأثاث» لأنه كان واحداً من مؤسسيها: «طول عمرى بحب الحركة ماينفعش عجز يقعدنى ويخلينى ماشتغلش، خصوصاً أن ولادى كانوا صغيرين وقتها». ورغم اعتماد الرفاعى على ورشته، فإنها انهارت مع العقار الذى يعلوها فى زلزال 1992، فتنقل بعدها بين عدد من الورش قبل أن يقرر استكمال دراسته ويلتحق بكلية الحقوق، وكان هذه المرة قد أصبح جداً لولدين صغيرين: «فى الأول ولادى ماصدقوش، بس أنا كنت عايز آخد ليسانس الحقوق عشان أشتغل خطيب مسجد أو أفتح مكتب محامى، ورغم أن ولادى مدحت وإيمان وهانى منعونى عشان ماتعبش من المشوار، إلا إنى صممت وقلت لهم إنى مش هطلب من حد حاجة، وهعتمد على نفسى». الرفاعى الذى يستعد حالياً لامتحان مادة «العقود الإدارية» فى الليسانس، يستذكر دروسه بمساعدة قارئ خاص به، ويستمع إلى نصائح أبنائه برضا شديد، خاصة ابنته إيمان لأنها تخرجت فى الكلية نفسها: «الدكاترة لما عرفوا إنهم بيدرسوا لوالد بنت اتخرجت فى نفس الكلية من 4 سنين، استغربوا جداً لكن احترامهم لىّ زاد، وولادى كمان لما اتأكدوا من إصرارى بقوا يشجعونى، حتى حفيدى سيف، دايماً وأنا خارج رايح الامتحان يقول لى يا جدو هات لى معاك حاجة حلوة من الكلية». لم يضع «الرفاعى» فاصلاً بينه وبين زملائه فى الكلية بدعوى اختلاف الجيلين، بل جمعته معهم علاقات صداقة وفتح لهم صدره، وشاركهم فى حل مشاكلهم التى غالباً ما تكون عائلية بسبب الفجوة بين الأجيال: «بحاول أكون حلقة وصل بينهم وبين جيل الدكاترة والآباء، وأفهم الشباب إزاى يتعاملوا مع اللى أكبر منهم، وبالتالى فدورى شبه الإخصائى الاجتماعى، لكنى بعمل الموضوع ده مودّة». رغم إعاقته وانشغاله بدراسته، لم يتخل «الرفاعى» عن مهنة النجارة ويتمنى أن تعوضه الدولة عن ورشته التى انهارت فى الزلزال، أو أن يجد قطعة أرض تصلح للإيجار بسعر مناسب ليجمع أبناءه وأبناء إخوته ليعلمهم أصول الصنعة: «عندنا فى العيلة 18 شاب، لو عندى ورشة هعلمهم وأخليهم أسطوات فى 6 شهور، لكن لو مالقتش أرض، هحاول أعمل مكتب صغير أشتغل فيه مع ابنى وبنتى، أديهم خبرة سنين وهما يدونى حماسهم، وممكن ربنا يكرمنى وأترافع فى يوم قدام قاضى».