محمد سيد أحمد مع د.عبدالمنعم سعيد واحمد فخر قبل أربع سنوات فارق الكاتب والمفكر محمد سيد أحمد الحياة, تاركا من خلفه وجه الباحث المحموم عن الحقيقة, وبتعبير صديقه الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في مقدمة كتاب محمد سيد أحمد.. لمحات من حياة غنية الصادر حديثا عن المفكر الراحل في الذكري الرابعة لوفاته فقد كان ملتزما بالبحث عن الحقيقة الانسانية, هكذا وصفه هيكل محاولا الإلمام بالتحولات الفكرية التي مر بها محمد سيد أحمد خلال حياته. اذ ولد محمد سيد أحمد في ثلاثينيات القرن الماضي لأسرة ثرية, وكان أبوه الحاصل علي الباشاوية محافظا لعدة محافظات منها بورسعيد والفيوم والسويس, وكان زوج عمته رئيس الوزراء الاسبق اسماعيل صدقي والمعروف بعدائه الشديد للشيوعية, غير أن نشأته الارستقراطية لم تمنعه من الانتماء للفكر الماركسي المعادي لطبقته الاجتماعية في سن صغيرة, بل والهرب من بيته حين حاولت أسرته اقصاءه عن ممارسة نشاطه السياسي, فانضم سيد أحمد لعدة منظمات شيوعية في الأربعينيات أي في أوج نشاط هذه المنظمات وكان عمره آنذاك أربعة عشر عاما. وحكي سيد أحمد عن لقائه الأول بالفكر الماركسي في شهادة قدمها للجنة توثيق تاريخ الحركة الشيوعية في التسعينيات وضمها الكتاب بعنوان هكذا تكلم محمد سيد أحمد, قائلا: ذات مرة دعي والدي محمود عزمي إلي منزلنا في القاهرة, وكان شخصية ذات شأن, وله زوجة روسية, ذكرت أمامها بأني لست مصريا لأن ثقافتي فرنسية وانجليزية ولا أعرف شيئا عن العربية, فالتقطت زوجة محمود عزمي هذا التعليق, ثم دعتني إلي حفل شاي في منزلها ومعي نيفين سري, بنت حسين باشا سري, الذي أصبح فيما بعد رئيسا للوزارة, وقدمت لي كتابا عن لينين, وكان أول كتاب أراه عنه. وسرعان ما وجد الشاب المتحمس طريقه لأول دار تفريخ للحركة الشيوعية المصرية وهي دار الابحاث العلمية بشارع نوبار, ليشارك بنشاطها الاجتماعي والثقافي, وبنفس السرعة اكتشف الوالد أمر تردده علي ما وصفه( بالمكان المشبوه) فاضطر الصبي أن يكذب, لينتقل بعد ذلك إلي خلية اسكرا وقال عنها: كان تنظيم اسكرا يباشر التجنيد من خلال حفلات, حيث يجتمع ما بين عشرين وثلاثين( زميلا) لاجراء ما يوصف بمناقشة مفتوحة في مشكلة عامة, وكان الهيكل التنظيمي خلف هذه الحفلات شديد السرية, وكنا لا نزال مرشحين أو ما شابه, فكنا لا نعلم أن العملية برمتها منظمة كنا نظنها أمورا اعتباطية. هكذا انخرط سيد أحمد في صفوف الحركة الشيوعية حتي وصل إلي منصب قيادي في المنطقة الشيوعية المصرية( م.ش.م), وسجن بسببها مرتين, الأولي عام1950 وحتي1952, والثانية عام1959 وحتي1964. وفي شهادته عن سيد أحمد وصفه الكاتب الصحفي هاني شكر الله: محمد سيد أحمد رجل مسكون بقضية مجتمع ما بعد الرأسمالية) علي حد قوله, فهي قضية استغرقت عمره كله, وكان أحد دوافع انشغاله بها الالتزام الاخلاقي, لكن الدافع الأهم هو البحث عن الحقيقة, ففي سنوات صباه اعتنق سيد أحمد الماركسية بحماس لا تفتر جذوته, دفع مقابله ثمنا باهظا. وقتها, كانت الماركسية بالنسبة إليه صحيحة لأنها كانت الحقيقة و الصواب كانت كشفا للتاريخ. ويروي شكر الله حوارا دار بينه وبين سيد أحمد قائلا: قال لي سيد أحمد: أردت في شبابي أن أكتب كتابا أثبت فيه أن الماركسية في صالح الجميع, لم أنجذب للماركسية بسبب مفهوم الصراع بين الطبقات وأيديولوجية الطبقة العاملة, كانت الماركسية بالنسبة لي شكلا من أشكال الفكر الانساني الذي اقتنعت بصحته آنذاك. وقد شكل ذلك الأمر, الذي مارسته طيلة حياتي اختلافا بيني وبين كثير من الشيوعيين الاخرين: إذا اتضحت الحقيقة, واقتنعت بخطأ شيء ما, فإن ذلك يسبق أي شيء آخر. حتي النظرية تصبح محل نظر. لكنني في ذلك الوقت اندفعت للماركسية بكل كياني كانت حقيقة, الحقيقة ويعلق شكر الله: تصريحات من هذا النوع تكشف حقيقة محمد سيد أحمد نفسه, باحثا بكامل ذاته عن الموضوعية, عن تفكيك البني بصرف النظر عما اذا كانت حقيقتها مريحة أم لا, وحتي لو كانت البني موضع التحليل هي حياته نفسها. وينفق مع هذا الرأي هيكل الذي كتب في مقدمة الكتاب: لعل المحاولة الدائبة من المفكر قبل الكاتب للبحث عن الحقيقة, هي التي دفعت محمد سيد أحمد إلي ما اعتبره البعض تمردا, والواقع أنه لم يكن كذلك, حتي وإن كان التمرد ظاهرة, وحتي عندما لاح مبكرا أن محمد سيد أحمد مبهور بوهج نظرية خطفت حماسة الكثيرين من جيله فإنني أحسب أن محمد سيد أحمد كان مأخوذا بالغوص في عمق تلك النظرية أكثر منه منتظما في دائرتها, وكذلك فإنه كان ضمن أوائل المراجعين لمقولاتها فقد أعاد تقييمه لما خطف بصره, في ظروف كانت تؤدي إلي الغرق أكثر مما تدفع إلي مقاومة الموج. جدير بالذكر أن سيد أحمد انتسب إلي كليات الحقوق والهندسة والفنون الجميلة عقب خروجه من السجن في1964, وحصل علي بكالوريوس الهندسة عام1956 وليسانس الحقوق في1957, وانه ظل مشغولا بالعمل في صفوف الحركة الشيوعية السرية حتي وحدة المنظمات الشيوعية في عام1958. وكتب سيد أحمد في شهادته مراجعة لهذه المرحلة من حياته قائلا: كانت المرحلة الأولي من انتمائي إلي الحركة مثالية جدا بحكم أوضاعي وكيفية انتمائي إليها, وعندما اتخذت المنظمات الشيوعية تتوحد, بدأت أدرك أن افتراضاتي المثالية بعيدة تماما عن الواقع, وبدا لي أن الاحتراف في الشيوعية, لا يختلف كثيرا عن الاحتراف في الوفد أو حتي أي حزب كالحزب السعدي. يشار إلي ان الكتاب ضم اضافة لمقال هيكل وهاني وشكر الله شهادات مهمة من عدد من المفكرين منهم أنور عبد الملك وجميل مطر ووزير الخارجية السابق أحمد ماهر وسمير مرقس وكريم مروة وكلوفيس مقصود وحسين عبد الرازق ورشدي سعيد ومحمود عبد الفضيل كما ضم شهادات من أفراد عائلته وعدد من الصحفيين والباحثين الاجانب ومنهم اريك رولو وريتشارد فولك كما ضم ملحقا لصور نادرة تعكس مراحل من حياته. انطلق سيد أحمد إلي الكتابة الصحفية والتحليل السياسي عبر جريدة الاهرام, عقب خروجه من السجن بسنوات, ثم شارك في تأسيس المجلس المصري للشئون الخارجية. والمجلس هيئة أهلية مستقلة تعني ببحث القضايا الخارجية ذات الصلة المباشرة أو غير المباشرة بالمصالح المصرية. وللراحل مؤلفات منها بعد أن تسكت المدافع و مصر بعد المعاهدة, في إشارة إلي معاهدة كامب ديفيد عام1979. كما شارك مع آخرين في كتب منها ثورة23 يوليو1952.. دراسات في الحقبة الناصرية.