للمرة الألف يوصى الدكتور زاهى حواس بتقرير اللغة الهيروغليفية فى مناهج التعليم! على مدار عشرين عامًا، قدّم مطلبَه، مرارًا، لمجلس الشعب، ووزارات التعليم المتعاقبة، ولم يستجب أحدٌ من المسؤولين «المصريين» القائمين على التعليم «المصرى» بتنفيذ هذا المطلب «المصرى»! ومجددًا، تقدّم باقتراحه للدكتور أحمد زكى بدر، وزير التعليم الحالى، الذى عساه يستجيب. يحلمُ حوّاس، ونحلمُ معه، بتدريس اللغة المصرية فى المدارس، بحيث يكون بوسع الطالب، على الأقل، كتابة اسمه بأبجديتها، يحلمُ بأن يكون درس الهيروغليفية جزءاً من مادة التاريخ المقررة على الطلاب بالسنوات الأولى، ثم بتكثيفها فى المرحلة الثانوية! ولأن الشعراءَ طمّاعون، طامعون فى الجمال، فإننى أحلم بأن تُدرَّس لغتنا القديمة بعمق أكثر يتيحُ للطالب كتابة موضوع تعبير، يطرح فيه رأيًا حول قضية ما. فالأبجدية الهيروغليفية يعرفها باعةُ المصوغات فى خان الخليلى، حينما يحفرون اسم العميل بالهيروغليفية على ميدالية أو خرطوشة فرعونية من الذهب أو الفضّة. وأحلم، كذلك، بإنشاء فصول للتعليم الحرّ، لكى يتعلّم أمثالى ممن لم يعد لهم مكانٌ على مقاعد الدرس. أحلمُ أن تحملَ شوارعُنا وميادينُنا أسماء فرعونيةً، كما بعض مدن الجنوب المصرى. أحلمُ بتصميم علم جديد لمصر، لا يشبه الأعلام الأخرى. علم يحمل عين حورس أو مفتاح الحياة أو رأس آمون أو مسلّة فرعونية أو الأهرامات الثلاثة. أحلُم! يحزننى أن كليات الآداب المصرية تُدرَّس اللاتينية والإغريقية القديمتين، وليس من قسم للغة المصرية! يحزننى أن قسم التاريخ بكلية الآداب ليس به مادة هيروغليفية! يحزنُنى أن تلتقى طالبًا جامعيًّا يابانيًّا أو فرنسيًّا أو إنجليزيًّا، فتجده عارفًا بالمصريات، Egyptology، أكثر، كثيرًا جدًّا، مما يعرف الطالبُ المصرىّ عن تاريخ بلاده وحضارتها الفارقة! بل إن أدمغة أبنائنا محشوةٌ بأفكار سفيهة تقولُ إن الأثرَ المصرىَّ القديمَ، (الذى لنا حظوة القيام عليه والإقامة فى رحابه مجانًا، فيما يدفع السوّاح الآلاف لرؤيته)، ليس إلا مسوخًا وأوثانًا، علينا محوُها ليرفعَ اللهُ غضبَه عنّا! يحزننى أن الأمهات لا يسمين مواليدهن: حابى وحور محب وحورس وأوزرويس، بقدر ما يبهجنى أن فنانًا تشكيليًّا مصريًّا مثقفًا هو أحمد الجناينى وزوجته الراقية امتلكا الشجاعةَ لتسمية بناتهما: نفرتيتى، إيزيس، هاميس، نفرتارى! يحزننى أن أسافرَ إلى بلاد الله، لأجد الانبهارَ فى عيون الأدباء والمثقفين حالَ يُفتَح الحديثُ حول حضارة مصرنا القديمة، فيما أبناؤنا يستهينون بها، بل ويتبرأ بعضُهم من مصريته! ولهذا عرض حوّاس توفير مرشدين متخصصين يرافقون الطلاب فى رحلاتهم السياحية ليمدوهم بالمعلومات الصحيحة حول حضارتنا، بدل الترهات المضلِّلة التى تنسج خيوطَ التجهيل الصحراوىّ داخل أدمغة الصغار. ليتعلّم النشءُ الصغيرُ كيفية صوْن ذاك الإرث الخيالىّ الذى قدّرت لنا السماءُ أن نحوزه، دون شعوب الأرض! ذلك من شأنه ترسيخ الثقة بالنفس لدى أولئك الصغار الذين اهتّزت هويتهم، فترى واحدهم يثبّت على صدره دبوسًا أو يلبس برنيطة أو وشاحًا عليه، من عجبٍ، عَلَم أمريكا! نعم لمَحْوْ الأُميّة المصرية لدى نشءٍ مُغيَّبٍ، كاد أن ينسى! [email protected]