يعد الأزهر الشريف منارة العالم الإسلامى به يهتدى الناس إلى الإسلام الصحيح لما يتميز به من سماحة واعتدال بعيدًا عن التشدد والمذهبية.. عرفه المسلمون مرجعية فقهية فى أمور دنياهم وآخرتهم بإنتاج علمائه وشيوخه ودروسهم وجامعتهم، وعرف العالم مكانة الأزهر لدى المسلمين.. فماذا يقول الأزهر؟.. إذن هو نبراس لجموع المسلمين. اكتسب الأزهر مكانته فى التاريخ الحديث بمواقفه ضد الطغيان والاستعمار والظلم والعدوان. واكتسب الأزهر وشيوخه وعلماؤه الأجلاء مكانتهم أيضًا من رفضهم التورط فى لعبة السياسة، فرفض العلماء نسبة الملك فاروق إلى البيت الهاشمي، مثلما رفض فضيلة الإمام الأكبر الشيخ عبدالحليم محمود إصدار بيان لتأييد زيارة السادات للقدس المحتلة. واكتسب الأزهر كذلك نفوذاً (ومن ثم مصر) فى العالم الإسلامى من خلال خريجيه الذين أصبح منهم رؤساء دول وحكومات ووزراء وكبار مسؤولين فى بلدان إسلامية وأفريقية. لكن الأزهر الشريف يبدو أنه أصابه ما أصاب مؤسسات الدولة الأخرى، فاتخذ مواقف وأصدر بيانًا فى قضايا ومناسبات تثير الجدل. الشيخ الجليل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى الذى يعرف الناس أطروحته حول اليهود فى القرآن الكريم، وعرفوا بالتالى ماهية الدول اليهودية وأهداف الحركة الصهيونية استقبل بمقر مشيخة الأزهر عام 1996 حاخام إسرائيل لليهود الشرقيين فيما كانت حكومة المتطرف نتانياهو وخريجو المدارس الدينية يرتكبون جرائم ضد الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني، ونُسبت إليه تصريحات حول الجهاد فى الإسلام أثارت الجدل إبان الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، وأخرى حول الحجاب خلال زيارة وزير الداخلية الفرنسى (الرئيس حاليًا) نيكولا ساركوزى عام 2004 فسرتها الحكومة الفرنسية لصالح منع ارتداء الحجاب، وفيما ظلت مقابلة الإمام لحاخام إسرائيل بالأزهر دون مراجعة، نُسب إلى فضيلة الإمام قوله: «إن العلاقة مع إيران فراق إلى الأبد»!! وزاد على ذلك - وفق ما نشرته جريدة اليوم السابع فى عددها الأخير - بأنه استقبل وفدًا من حركة مجاهدى خلق اليسارية بمقر مشيخة الأزهر وهى حركة معارضة للنظام الإيرانى الحاكم، وتصفها العراق بأنها حركة إرهابية استضافها صدام حسين وقت حربه مع إيران (80 - 1988) كأداة ضدها، وزد على ذلك أن مصر نفسها كان لها موقف مناهض لهذه الحركة وقتما كانت تعمل أيضًا ضد نظام الشاة. ووسط الأزمة المفتعلة بإثارة الخلافات بين المذهبين الشيعى والسنى يلتزم الأزهر الصمت إزاء محاولات إلغاء فتوى شيخه الأسبق الراحل محمود شلتوت التى أجاز فيها التعبد على مذهب الشيعة الإمامية، فيما أصاب الشلل مصدر التقريب بين المذاهب التى كان الأزهر رائدها فى العالم الإسلامى. وشارك فضيلة الإمام فى افتتاح مسجد فى بيروت الشهر الماضى فى حفل تم تصميمه كتظاهرة سياسية لصالح تيار المستقبل الذى يتزعمه سعد الحريرى وكان يكفى فيه السياسة وينأى الأزهر عنها، فكم من المساجد يفتتح فى عواصم عربية وإسلامية كل يوم ولا يشارك فى افتتاحها شيخ الأزهر الشريف!... وفى اليوم التالى استقبلت قاعة الاجتماعات بجامعة الأزهر مؤتمرًا حزبيًا عقدته أمانة الحزب الوطنى بالقاهرة.. فماذا لو طلبت الأحزاب الأخرى عقد مؤتمراتها بجامعة الأزهر؟.. فمكانة الأزهر جامعًا وجامعة تقتضى الابتعاد بهما عن السياسة. وطرحت الحكومة أخيرًا مشروع قانون لتعديل القانون 103 لسنة 1961 ليكون لجامعة الأزهر قانون يماثل قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1973 لفصل الدراسات الدينية عن الدراسات العلمية والإنسانية دون تشاور مع فضيلة شيخ الأزهر ومجلس الجامعة ومجمع البحوث الإسلامية، والهدف فتح أبواب جامعة الأزهر أمام كل المصريين وهو حق يراد به باطل، فحسب شيوخ أجلاء يستهدف مشروع الحكومة شطب المواد الدينية من مناهج التعليم بالكليات العلمية والدراسات الإنسانية، وتخفيض الدعم وتقليل عدد الخريجين، والعودة بالأزهر إلى ما قبل مشروع تطويره عام 1961. وتستدعى الذاكرة هنا تقديم نواب فى مجلس الشعب العام الماضى طلبات إحاطة بشأن إلغاء تدريس كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة» بالمرحلة الثانوية الأزهرية، ودمج ست مواد أزهرية وتحويلها إلى ثلاث مجموعات بالمرحلة الإعدادية دون اشتراط حد أدنى لدرجة النجاح فى كل منها. بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979 طلب رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجين من الرئيس السادات منع أحاديث فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى فى التليفزيون وتخفيف المواد الدينية بالمدارس التى تتحدث عن اليهود بدعوى إشاعة مناخ السلام، ولا يزال الطلب الإسرائيلى يتكرر حتى اليوم. لا يزال المصريون يتطلعون إلى الأزهر الشريف فى وقت نحتاج فيه إلى بصيرة لمواجهة الفتن وألاعيب السياسة، ففى قضايا حساسة يشكل موقف الأزهر موقفًا معياريًا، ولا عيب من إجراء مراجعات فعلها من قبل أئمة كبار. فمن مصلحة الإسلام «الأزهر ومصر» أن نحفظ للأزهر مكانته بعيدًا عن ألاعيب السياسة الداخلية.. والخارجية أيضًا. [email protected]