حالة من الترقب تعيشها أسواق تجارة اللحوم البلدية والمستوردة، بعد مطالبة نشطاء حقوق الحيوان وعدد من الصحف الأسترالية حكومتها بوقف تصدير الماشية السويسرية إلى مصر بسبب وحشية التعامل مع الحيوانات فى المجازر المصرية على خلفية إعادة بث فيديو قديم على موقع يوتيوب لخنق حيوانات وضربها بالعصى قبل ذبحها. «المصرى اليوم» رصدت مجموعة من الانتهاكات التى ترتكب أثناء عملية الذبح فى أحد المجازر المعتمدة وهو مجزر «أوسيم» بالجيزة وسط غياب الإشراف البيطرى، والتقت عددا من المواطنين الذين أكدوا غياب دور الأجهزة الرقابية بالدولة فى توفير اللحوم بسعر يناسب المواطن البسيط فيقع فريسة سهلة لتجار اللحوم البلدية والمستوردة. حبال بالية تتدلى من الأسقف. عجول افترشت الأرض وسط بحر من الدماء والفضلات، وأخرى معلقة فى خطافها، والبقية فى الخارج انتظارا لدورها. ممرات مائية تلونت بدماء الحيوانات تعانى من انسدادات نتيجة سقوط روث وبقايا جلود الحيوانات بداخلها. صياح الجزارين يغطى على أصوات السيدات اللاتى يجلسن أمام أوان معدنية امتلأت عن آخرها ب«السقط». سيارات مكشوفة لنقل الذبائح. وعاملات يحملن جرادل المياه لإلقائها على الذبائح الملقاة على الأرض لتنظيفها من الدماء والروث. عندما دلفت «المصرى اليوم» إلى داخل المذبح، توجهت إلى حجرة الكشف الطبى، وقضت نحو الساعة تقريباً، فى انتظار أحد أطباء الكشف الطبى، ولكن لم يحضر أحد. الدخول إلى مذبح أوسيم- واحد من أهم المذابح بمحافظة الجيزة الذى يستقبل العشرات من الذبائح يوميا- يبدأ مع بوابة حديدية تفوح من خلفها رائحة المخلفات، وأمامها سيارات نقل تحمل العشرات من الماشية استعدادا للذبح. يتكون المذبح من حجرتين متلاصقتين، يفصلهما جدار، تتدلى من أسقفهما 9 خواطف لتعليق الحيوانات استعدادا لذبحها، ويوجد داخل الحجرتين حوض كبير امتلأ بالمياه لشطف الحيوان من دمائه بعد ذبحه، إلى جانب مساحة خالية ازدحمت بالأوانى المعدنية المملوءة بالأمعاء الداخلية للحيوانات يسمى «السقط». لا يستغرق العمل داخل مذبح أوسيم أكثر من ثلاث ساعات، يبدأ من السادسة صباحا، وينتهى فى التاسعة، ويعد الأرخص فى الرسوم فذبح العجل لا يتكلف سوى 150 جنيهاً شاملة مصاريف الكشف الطبى. بمجرد دخول الحيوان إلى المذبح يستقبله الجزار، ويربط عنقه بحبل بال يتدلى منه خطاف معلق بسقف المذبح، فى حين أن بعض الحبال لا تستطيع مقاومة الحركات الاندفاعية للعجول المذبوحة، فيهرب الحيوان خارج غرفة الذبح، وسط صراخ الحاضرين ومحاولة الجزارين السيطرة عليه من خلال ضربه بعصا خشبية سميكة على قدميه ورأسه لشل حركته. «طول عمرنا بندبح البهايم بإيدينا، وورثنا المهنة من آبائنا وأجدادنا» بهذه الكلمات بدأ أحمد عصام جزار بمذبح أوسيم حديثه عن طرق الذبح قائلا: «أنا شغال جزار بقالى 25 سنة، وبدبح فى اليوم 3 عجول، وفى الأعياد يوصل العدد إلى أربعة وخمسة، والكلام عن دبحنا للبهايم بصورة غير آدمية كلام مش صحيح، وضرب الحيوانات لا يخالف شرع الله، وتهديدات استراليا بمنع إرسال المواشى إلى مصر بحجة وحشية الدبح ماتهمناش، لأنها أصدرت القرار ده قبل كده ومنفذتوش، وأكيد ده مخطط من تجار اللحمة المستوردة لرفع تمنها». ويقول محمد خليل، جزار: «اللحمة زى الفل، ومافيهاش خطورة، والناس كلها بتاكل ومش بيحصلها حاجة، والدليل على كده إن اللحمة هنا أغلى من المستوردة، والناس بتستنى الدبح من الفجر علشان تأكل عيالها، والدبح بيكون بإشراف من الطب البيطرى». تقول فاتن محمد من أهالى أوسيم: «أحرص على الذهاب إلى المذبح كل يوم سبت لشراء كيلو لحم ب30 جنيهاً، بينما يصل ثمنه عند الجزار 45 جنيهاً، ورغم قذارة المدبح إلا أنه الوسيلة الوحيدة أمامى لإطعام أبنائى الأربعة بلحوم جيدة وأسعارها رخيصة، لكن أقوم بتنظيف اللحم جيدا قبل طهيه، وأسلقه جيدا». حلول الأهالى: الحكومة تبحث عن مصادر أخرى والجيش يوزع لحوم مزارعه على المجمعات «لابد أن تبحث الدولة عن بلد آخر لاستيراد اللحوم، أو أن يوزع الجيش لحوم مزارعه على الجمعيات الاستهلاكية لسد الفجوة فى احتياجات المواطنين خاصة محددوى الدخل من اللحوم».. كانت هذه بعض الحلول البسيطة التى اقترحها مواطنون لمواجهة تهديدات استراليا بمنع تصدير الماشية إلى مصر، الأمر الذى قال الأهالى إنه ينعكس سلبا على أسعار اللحوم البلدية والدواجن والأسماك. خرجت فوزية محمود، ربة منزل من سكان حى السيدة زينب فى ساعة مبكرة من منزلها للتسوق وأمام عربة الخضار وقفت تجادل آخريات فى الارتفاع الشديد لأسعار كل الخضر. وعن تهديدات استراليا بحظر تصدير اللحوم الاسترالية لمصر تقول: «يعنى كانت ناقصة يحرمونا كمان من اللحمة المستوردة، مش كفاية الواحد بينزل ب100 جنيه يرجع بشوية خضار، دا سعرها أصلا غالى والكيلو يصل ل39 جنيهاً، وطبعا بعد الحظر هترفع أكتر، وساعتها نبقى نشترى بدل الكيلو نص كيلو». «الأزمة الحقيقية فى زيادة أسعار اللحوم المستوردة هى انعكاسها على أسعار الدواجن والأسماك»، تضيف: «دلوقتى كل حاجة هتغلى، لما الواحد مبقاش عارف يكفى إيه ولا إيه، لما فاتورة الكهرباء والمياه والغاز تأخد 300 جنيه من معاشى اللى مش مكمل 700، يبقى هيفضل إيه للأكل والشرب». تعرض زوجها لحادث سيارة اضطرها إلى الخروج لافتراش جزء من الرصيف المجاور لمنزلها لبيع بعض الخضروات، اعتادت «صفية» تناول اللحوم التى يمنحها إياها جيرانها تعاطفاً مع ظروفها الإنسانية، التى أجبرتها على إخراج أولادها من المدارس، ليعمل البنين منهم فى مهنة جمع الكارتون من أكوام القمامة. تقول: «أهل الخير كتير منهم اللى بيعدى علينا بكيلو أو نص كيلو لحمة بلدى أو مستوردة، وكله فضل ونعمة من ربنا، ولولاهم ما كنش حد فينا داقها، خصوصا فى الأعياد وفى رمضان». تعلق صفية على تهديد استراليا بحظر تصدير اللحوم لمصر قائلة: «يعنى حتى أهل الخير مش هيلاقوها علشان يحنوا علينا بيها، وفين بقى الدولة من كل ده، ليه ما تشوفش أى بلد تانى تجيب اللحمة منه، زى السودان». فى حين يرى رشاد محمد، موظف بالمعاش أن الحل الأمثل لمواجهة تلك الأزمة يكمن فى تدخل الجيش، بتوزيع لحوم مزارعه على الجمعيات الاستهلاكية، للحفاظ على توازن الأسعار فى الأسواق، كما أن لحومه ستكون مضمونة ومعتمدة وسيقبل عليها جميع المواطنين وستراعى إمكانيات محدودى الدخل خاصة فى فترة المواسم القادمة. واعتبر محمود العسقلانى، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء لحماية المستهلك، عدم امتلاك الدولة الآليات التى تواجه بها قرارات كالتى أصدرتها استراليا سابقا بحظر تصدير اللحوم إهانة للمواطن المصرى، الذى تجعله يقع أمام عينها فريسة لجشع التجار. وقال: «من المعروف أن اللحوم الاسترالية من أنقى اللحوم فى العالم، ويجد فيها محدودو الدخل البديل الملائم عن اللحوم البلدية مرتفعة الأسعار، إلا أن هناك من يسعى لإبعاد اللحوم المستوردة عن السوق المصرية، كى يستحوذ على السوق دون أن يتصدى أحد لمثل تلك السياسات الاحتكارية. وأكد أن الفجوة فى استهلاك اللحوم سترتفع إلى 60% بعد حظر الاستيراد، خاصة فى الفترة القادمة، التى يقدم فيها المصريون على موسم رمضان والأعياد. وطالب العسقلانى الدولة بالسعى للبدء فى تدبر احتياجات البلد من اللحوم، عبر تمكين المستوردين وإزالة معوقات الاستيراد، والحد من الذبح الجائر للبتلو، ودعم الفلاح مربى الماشية لتعظيم الإنتاج الحيوانى وتقليل الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج الفعلى، حيث بلغ حجم ما جرى استهلاكه من اللحوم المستوردة فى العام الماضى 373 ألف طن، مقابل 222 ألفاً و205 أطنان من اللحوم البلدية، طبقاً لبيانات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للخدمات البيطرية. رئيس «الحجر البيطرى»: موظفون من أستراليا يراقبون الذبح فى مصر قال الدكتور يوسف شلبى، رئيس الإدارة المركزية للمحاجر البيطرية، إن وزارة الزراعة لم تتسلم أى خطاب رسمى من الحكومة الاسترالية يفيد حظر تصدير اللحوم لمصر، مؤكدا أن للحكومة الاسترالية بعض التحفظات على طرق الذبح فى مصر، أصدرتها بناء على فيديو وصفه ب«الملفق»، وهو ما بادرت الوزارة بفتح التحقيق فيه، وأن استراليا صدّرت العام الماضى 33 ألف رأس. وأشار شلبى إلى أن الإدارة تشن حملات مراقبة وتفتيش يومية على المجازر التى تعمل وفقاً للقوانين والمعايير الدولية، لأننا جزء من العالم، فضلا عن أن عملية الذبح لها بعد إنسانى فى المقام الأول، والمجزر الذى يخالف القوانين يصدر قرار بغلقه نهائياً. وأشار إلى أن أستراليا لم تصدر سوى قرارين لحظر تصدير الأغنام لمصر عامى 2005 و2006، فى فترة موسم العيد الكبير، حيث اعترضت على عدم ذبحها داخل المجازر المعتمدة، فى ظل إصرار بعض المواطنين على ذبح أضحيتهم بمعرفتهم، أمام المنازل وفوق الأسطح وفى الجراجات وفى الشوارع. وأوضح أن استراليا خصصت مجزرين فقط لذبح ماشيتها هما السخنة فى السويس والإيمان فى الإسماعيلية، ويخضعان لإشراف فنيين من استراليا يعدون بأنفسهم تقارير عن طرق الذبح وبناء عليها يعاد تصدير المواشى لمصر، على حسب طلب المستوردين، لسد العجز فى الثورة الحيوانية فى مصر، والذى يكفى قرابة 45% من احتياجات السوق الفعلية.