بعيداً عن اتهامات يوجهها المسؤولون إلى سائقى الصعيد يصفونهم فيها ب«المتهورين»، وبعيداً أيضاً عن التصريحات الرسمية التى يخرجون بها علينا مع كل حادث، ليؤكدوا أن الطرق المؤدية للصعيد كغيرها من الطرق فى الريف الأوروبى، ويستيقظ عم فتحى مقبول مع مطلع كل شمس ليلتقط تلك «الفوطة» الصفراء التى وضعها داخل سيارته الأجرة، ليبدأ فى تلميعها وفى يده الأخرى كوب صغير من الشاى منادياً على الركاب بصوته الأجش، الذى يهز أركان موقف المنيب «بنى سويف وأسيوط» لعله يعود فى نهاية الأسبوع لأطفاله الخمسة بما يجود عليه به القدر، عم فتحى يعمل سائقاً على خط الصعيد منذ ما يقرب من عشرين عاماً وهو رغم مرور تلك السنون، فإنه لا يشعر بأن هناك أى تغيير حدث فى طرق الصعيد إلا فقدانه بعض زملائه الذين راحوا - حسب قوله - ضحية لحوادث الطريق، يقول «عم فتحى» فى كل مرة تحدث مصيبة على خط الصعيد لا يجد المسؤولون غيرنا ليعلقوا عليه أخطاءهم، متناسين أننا نسير على طريق سعته لا تتجاوز العشرة الأمتار وبجوارنا سيارات نقل وعربات كارو وبعض الأغنام والماعز والأبقار التى يصحبها أصحابها من قرية إلى قرية، فكيف لنا مع كل هذا أن نتوخى الحذر، وما يزيد من صعوبة الأمر - على حد قول محمد سيد أحد السائقين - هو المطبات الصناعية التى يقيمها الأهالى على نفقتهم دون أن يضعوا أى إشارات توضح للسائقين أن هذا المكان أو ذاك تم تزويده بمطبات جديدة، والغريب فى الأمر أننا نفاجأ باختفاء هذه المطبات بعدها بيوم أو يومين دون أى سابق إنذار، يقول محمد: «نحن نسير على طريق الصعيد وكأننا نسير فى حقل ألغام لا نعلم مكان المطبات، خاصة أن رجال المرور يختفون من الطريق بعد الساعة الخامسة وعلينا بعدها أن نتحسس خطواتنا وإلا ستحدث كوارث وحينها لن تجد الحكومة غيرنا «كبش فداء»، وهنا قاطعه أحد السائقين قائلاً: «الحكومة تمنعنا من السير على الطريق الشرقى على الرغم من أن خط السير الرسمى لنا طريق الأتوستراد والدائرى والكريمات، وفى الوقت نفسه تسمح بمرور سيارات الميكروباص التى تسير بالقرب من مركز العياط بلا لوحات. أما سيد عبدالرسول - أحد السائقين - فيتذكر جيداً يوم كان يسير على الطريق الغربى عائداً من أسيوط، وشاهد أحد زملائه ملقى على الأرض بعد تصادمه مع سيارة نصف نقل، فتوقف ليحاول طلب سيارة إسعاف ولكنه انتظر أكثر من ساعة دون أن يسعفه أحد، واضطر بعدها أن يحمل زميله ويصطحبه معه فى سيارته إلى أقرب مستشفى، ولكن الحادث تسبب فى فقدانه إحدى ذراعيه. مصطفى سالم - أحد السائقين - لا ينكر وجود نماذج متهورة من السائقين، الذين يعرضون حياتهم وأرواح من معهم للخطر، ولكنه يعود ليؤكد أنه من الممكن السيطرة على أدائهم إذا ما قررت الحكومة أن تستعين ببعض رجال المرور الجادين، مشيراً إلى أن غياب أعمدة الإنارة هو السبب الرئيسى وراء معظم حوادث الطرق التى تحدث على الطريق وهذا يعرضهم أيضاً لأن يكونوا صيداً سهلاً - على حد قوله - لبعض البلطجية الذين يستغلون غياب الأمن فى أن يفرضوا عليهم إتاوات ليتركوهم يمرون بسلام، خاصة إذا ما تعرضت إحدى السيارات لأى عطل مفاجئ أجبرها على التوقف فى إحدى المناطق المظلمة.