سعدت الأسبوع الماضى بمنحى الجائزة الأولى فى العمود الصحفى من نقابة الصحفيين، والتى تحمل اسم صديقى المرحوم مجدى مهنا، مما كان له عظيم الأثر فى نفسى أن أحصل على أول جائزة تحمل اسمه، ليزداد ارتباطى به حياً وميتاً، بعد أن افتقدت خلال الأشهر التسعة الماضية قلمه وصوته ومودته. لقد عملت مع «مهنا» لمدة ثلاث سنوات كنا نلتقى أسبوعياً ونتحاور تليفونياً بصورة شبه يومية، وكان رحمه الله هادئ الطباع على عكس قلمه اللاذع الذى كان يخبئ وراءه طيبة قلب لا حدود لها وحباً لكل الناس وتسامحاً وسمواً وترفعاً فوق الصغائر حتى إننى حملت له مرة شكوى أو استفسار د. مفيد شهاب من كثرة انتقاداته له ففوجئت بإجاباته: «أنا لا أكره د. شهاب بل أحبه جداً وكنت أتمنى أن يصبح رئيساً للوزراء.. وعلى قدر عشمى معه أنتقده» وللأمانة فإن د. شهاب، ورغم قسوة النقد، كان المسؤول الوحيد الذى شارك فى جنازة وعزاء وتأبين مهنا فى نقابة الصحفيين دون أن يشعر به أحد، فالدكتور مفيد كعادته يتسم بالأدب الجم ومكارم الأخلاق. حتى مداعبات مجدى مهنا سواء معى أو مع أصدقائنا مدحت حسن وعلاء الغطريفى والمخرج عادل عبدالواحد، أثناء عملنا فى برنامج «بعد المداولة» بالتليفزيون المصرى مازلت أتذكرها ويكفى بساطته وتواضعه وخجله مع كل من يتقابل معهم، فقد كان رحمه الله شديد الهدوء غير مزعج على الإطلاق يستطيع أن يحل أعقد المواقف بقفشة وابتسامة فقد كان زاهداً فى الدنيا وما فيها. مجدى مهنا ليس ظاهرة صحفية وإعلامية فحسب، بل ظاهرة إنسانية أيضاً، مما جعل الملايين يرتبطون به سواء من خلال عموده «فى الممنوع» الذى لا أعتقد أن أحداً قادر على البدء فيه دون أن يستكمله لآخره، أو من خلال برامجه المختلفة، أو سماته الشخصية، ولا أعتقد أن أحداً كتب فى قضايا الفساد كما كتب مهنا، ولعل مقاله عند إحالة قضية غرق العبارة «السلام 98» إلى محكمة الجنح، وتوقعه بأن هذه الإحالة هى الطريق إلى براءة ممدوح إسماعيل، وهو ما حدث بعد ذلك وسط ثورة غضب شعبية عارمة ضد هذا الحكم.. فقد كان رحمه الله لا يخشى فى الحق لومة لائم، ولم تكن لديه حسابات على الإطلاق، إلا بعض الاعتبارات المهنية، فقد لامنى مرة، عندما انتقدت فى مقال بعض أوضاع نقابة الصحفيين قائلاً كل ما كتبته صحيح لكن الوقت غير مناسب. حسابات مهنا التى انحازت للقارئ، وعدم وجود حسابات له مع أحد كانت سر الصنعة، وبالتالى لم تطارده أى شائعات فساد أو سعى لسلطة، فظل شريفاً عفيفاً حتى مماته.. واستحق التفاف الناس حوله فى جنازته من مختلف الاتجاهات والأجيال. ■ ■ كل يوم أفتقد قراءة مقاله فى «المصرى اليوم».. وكل يومين تقريباً أفتقد مكالماته الصباحية.. وكل أسبوع أفتقد لقاءه على مدى تسعة أشهر.. فجاءت جائزته لتعوضنى شيئاً من هذا الافتقاد حتى نلتقى.