يصف شكسبير «شايلوك» اليهودى فى رائعته «تاجر البندقية» بقوله: «إنه شخص حب المال عنده سواء والسجود، حتى أصبح قانون الأخلاق عنده قانونا ماليا».. «شايلوك» ظهر الأسبوع الماضى فى إحدى ضواحى الأغنياء فى قاهرة المعز، يساوم ويداور وينتقد ويهاجم، يزاوج حينا بين ترديد الوعود وذكر الإنجازات، وينجرف أحيانا إلى مزالق الخشونة والصفاقة للعصف بخصومه. بين جنبيه نفس غواها الكبر، وقلب يكره الفضيلة، ملأه الاهتمام بالثروة، «شايلوك» ظهر متأنقا يسير فى خيلاء يملأ الدنيا ضجيجا عن شعبيته فى قرى المحروسة، ويتحدث عن 7 آلاف موقع يرابط فيه أعوانه، يتحدث عنهم كأحد المستحيلات الأربعة، فهم متفوقون مسيسون يشتبكون على مستوى القواعد، مستنفرون لكل ما تعلموه فى جنبات جماعتهم العظيمة، يدافعون عن مبادئ جلية ورسالة واضحة كشمس الظهيرة فى قرية جنوبية. «شايلوك» غاضب ممن يتحدثون عنه وعن جماعته، يعدد مناقبه ومناقبها ويتحدث عن سيده واصفا إياه بالثائر والمحدث، يلعق قدميه ويتحسس ملابسه وينفض عن أكتافه الغبار، ويجلس تحت حذائه، بذكاء المصلحة وثقافة الانقياد من أجل دوام الحال. «شايلوك» ينكر على منتقديه وصفه ب«المحتكر» فهو يرى نفسه أحد البناة العظام ومنقذ شباب مقبلين على الزواج بمنحه الرمضانية، «شايلوك» يرانى ويراك حاقدين نكره ما على جلودنا، فهو الأفضل والأوفى لهذا الوطن، فهو من ساهم فى نهضته العمرانية والسياسية بأفكاره الألمعية، وإشاراته اللولبية فى الجمعية الوطنية، وتحذيرات العين والحاجب لأعضائها المتحلين بفضيلة الموافقة والمتناسين لقواعد الاختلاف. «شايلوك» لا يرى نفسه يقتطع من لحم شعبه، فهو يراها ساعية إلى الخير والعدل دون الشر ومرفقاته، يجيب كما أجاب شبيهه عندما سأله الدوق عن تصميمه أن يقتطع من الشاب أنطونيو قطعة من جسده ليسترد نقوده، قائلا: «أى رحمة يجوز لك أن ترجوها وأنت لا ترحم؟»، فيرد شايلوك: «أى عقاب أخشى وأنا لم أصنع شرا، إن رطل اللحم الذى أطلبه من أنطونيو قد ابتعته بثمن غالٍ وهو لى ولابد لى منه». شايلوك المصرى ككل الضعفاء إذا تمكن طغى ولم يرحم، يحمل حماسا للباطل يدحض به الحق، اختارته الظروف أن يسوس لكن بئس السائس والمسوس، فالأرض خربة والجماهير غائبة، والكذب منهج والخداع أسلوب حياة، والقياد فى يد مرتعشة. «شايلوك» ينتظر معارضيه جميعا بدءا من محترفى السياسة إلى أصحاب الأقلام بميزانه وسكينه لينفذ فيهم حكمه قد يكون تشريعا أو إبعادا أو تضييقا لكن فى ذاته يشعر بالضعف فلم ينس أنه القصير الذى يبحث عن الاستطالة، يهينه دائما الجميع بنظراتهم إلى عيبه الجسدى الذى انتقل إلى قلبه، فصارت النقائص تملأ ذلك الكيان الذى لو ألقى بيضة من يده فلن تنكسر، فالقربى إلى الأرض مصير لن يحيد عنه. «شايلوك» لن نمسك اللسان ولن نطلب الظفر بعفوك، فالكلمات مقدسة كما علمنا خالق الأرض والسماء، فإذا قلناها فلتكن صدقا، ونكرر لك ما قاله سقراط لجلاديه قبل موته بلحظات «إنه ترفعى عن القحة والصفاقة، وصدوفى عن مخاطبتكم بالعويل والبكاء والرثاء، فإنى لأؤثر خطتى التى رسمتها ولو أدت بى إلى الموت على أن أصطنع خطتكم احتفاظا بالحياة، الفساد والموت يعدوان فى أعقابنا، ولكن الفساد أسرع من الموت عدوا». قد يكون الفساد أسرع عدوا لكن حقيقة الموت تلاحق كل من على هذه البسيطة، «شايلوك» اعتبر وانفض عن نفسك الباطل وعش هانئا ولا تكن صلبا قاسى القلب. [email protected]