أصدرت المحكمة الإدارية العليا أمس حكمها النهائى فى طعن بطلان عقد بيع أرض «مدينتى» المبرم بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وإحدى شركات مجموعة طلعت مصطفى. وقضت المحكمة ببطلان العقد والتعاقد، ورفضت طعنى الهيئة وطلعت مصطفى على حكم القضاء الإدارى - أول درجة - وهو الحكم الذى أبطل العقد فى شهرى مايو ويونيو الماضيين. صدر الحكم برئاسة المستشار منير محمد جويفل، نائب رئيس مجلس الدولة، بعضوية المستشارين مصطفى حنفى وفوزى عبدالراضى وجعفر قاسم وعليوة فتح الباب وأحمد عبدالمجيد، نواب رئيس المجلس. عقب صدور الحكم سادت حالة من الصمت استمرت للحظات بين جموع الحاضرين، ثم تعالت الأصوات بعبارات «يحيا العدل.. يحيا العدل». وقال حمدى الفخرانى، صاحب الدعوى الأصلية، إنه لم يصدق فى البداية، لكنه تأكد أن قضاء مصر العادل سيظل منارة العدل، بينما انصرف أطراف الطعن الآخرون من القاعة مباشرة بعد سماع الحكم دون تعليق. ولم يحضر دكتور شوقى السيد، محامى طلعت مصطفى، جلسة أمس وأرسل بعض المحامين بمكتبه لمتابعة الجلسة. قبل بداية الجلسة، وزع الفخرانى بياناً قال فيه إن الحكومة رفضت تنفيذ حكم بطلان عقد مدينتى وأعطت لشركة هشام طلعت مصطفى وحدها 300 مليار جنيه، واكتفت بأن يحصل شعب مصر بأكمله على 15 مليار جنيه طوال 25 عاماً هى مدة المشروع. واختتم البيان بالقول إن القانون المدنى نص على أن دعاوى بطلان العقد تسقط بمضى 15 عاماً من وقت العقد، وأنه سيجدد دعوى بطلان عقد مدينتى كل 6 أشهر بأسماء مختلفة. بدأت الجلسة قبل الواحدة ظهراً وسط حضور عدد كبير من وسائل الإعلام، وأعلنت المحكمة منطوق حكمها ونصه «حكمت المحكمة بقبول تدخل الخصوم المنضمين، وبقبول الطعنين شكلاً - طعن طلعت مصطفى وهيئة المجتمعات العمرانية - وبرفضهما موضوعاً وذلك على النحو المبين تفصيلاً بالأسباب، وألزمت كلاً من الطاعنين مصروفات طعنه». وقالت المحكمة فى أسباب حكمها الذى جاء فى 39 ورقة إن العقد محل التداعى - عقد مشروع مدينتى - وملحقه إنصبا على تصرف هيئة المجتمعات العمرانية إلى الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمرانى - التابعة لمجموعة طلعت مصطفى - فى 8 آلاف فدان لإقامة مشروع مدينتى، وأقامت الشركة وحدات سكنية من الإسكان الحر لبيعها إلى الغير ومن ثم يكون هذا العقد عقد بيع يخضع لأحكام قانون المناقصات والمزايدات فى أجلى صورة. وأضافت المحكمة أن هذا العقد أبرم فى الأول من أغسطس عام 2005، وملحقه فى 21 ديسمبر من العام ذاته، أى فى ظل العمل بأحكام هذا القانون، ومن ثم يكون خاضعاً فى إبرامه لأحكامه. وأوضحت المحكمة أنه بمقارنة البيع الذى تم فى مشروع مدينتى، فإن الوضع بدا وكأنه أمر عجب، حيث كان التصرف فى المال العام محاطاً بالكتمان لا يعلم أحد من أمره شيئاً، فأسفر الأمر عن بيع لأراضى الدولة بمقابل عينى ضئيل جداً يتم أداؤه خلال 20 عاماً، يمكن زيادتها إلى 25 عاماً، فضلاً عن اشتمال العقد على شروط مجحفة. وأشارت المحكمة إلى أن العقد يؤكد التصرف فى 5 آلاف فدان، إضافة إلى حق الشركة فى الاستحواذ على مساحة 1800 فدان بالشفعة. وجرى الإعلان داخل مصر وخارجها بل جرت حملة إعلانية ضخمة للأخبار عن مزادات تلك الأراضى ومواعيدها، حيث وصل الإعلان عن ذلك إلى ذروته وغايته وذلك بقصد تحقيق الشفافية والعلانية وتكافؤ الفرص حيث تنافس الجميع وحصلت الدولة على أفضل الأسعار وفق أنسب الشروط. وأكدت المحكمة أن الفارق بدا شاسعاً بين عقد بيع أرض مدينتى وسعر البيع فى الحالات الأخرى اللاحقة رغم أن البيع اشتمل فى بعض الأحيان على أراض فى ذات منطقة القاهرةالجديدة الكائن بها مشروع مدينتى، وأن هذه البيوع تمت بفاصل زمنى لا يزيد على بضعة أشهر. كما بدا أيضاً أن مقابل البيع فى أرض مدينتى كان ضئيلاً جداً ولا يتناسب مع قيمة الأرض المبيعة، حيث يتم إداؤه وفقاً لمراحل زمنية تصل إلى 20 عاماً أو تزيد، أما فى الحالات الأخرى فقد بدا ثمن الأرض المبيعة عادلاً ومتوافقاً مع سعر السوق، الذى تحدد من خلال مزادات علنية عامة علم بها من فى الداخل والخارج، فانبسط الأمل واتسع الرجاء وبدت صحارى مصر أراضى سكنية ومجتمعات عمرانية وكأنها كنوز لا تنفد ومعين لا ينضب، جديرة بالحماية والحرص عليها من أن تبدد بأثمان بخسة. قالت المحكمة إنه فى حالة أرض مدينتى اهتزت الثقة فى السوق العقارية إثر علم المستثمرين بظروف وملابسات بيع أرض مشروع مدينتى ومقابله وشروطه، ودخل الناس الشك فى أسلوب وكيفية التفريط فى المال العام إلى الغير وتحديداً إلى مستثمر بعينه، وأشارت المحكمة إلى أن العقد برغم ما اشتمل عليه من بيع مساحات شاسعة تكفى لإنشاء مدينة بأكملها فقد جرى إبرامه بالأمر المباشر فى خروج سافر وإهدار واضح لأحكام قانون المناقصات المزايدات وما تقضيه أصل الإدارة الرشيدة ممن يجرى إبرامه من خلال مزايدة علانية يتبارى فيها المنافسون وهو ما يعيب الإدارة التى انعقد بموجبها العقد، بل ويلقى بظلاله ويعكس آثاره على التوازن المالى مقابلاً وشروطاً للعقد وهو ما من شأنه أن أن يصيب العقد بالبطلان. وأوضحت المحكمة أنه بالنسبة للمتعاقدين على وحدات سكنية أو محال أو وحدات أخرى بقصد التجارة والاستثمار سواء تسلموها أو لم يتسلموها فإن مركزهم القانونى لن يضار عند آثار بطلان عقد بيع أرض المشروع، إذ إن المتعاقدين تعاملوا مع بائع ظاهر بحسن نية وعلى الجهات المختصة مراعاة ذلك عند أعمال الحكم التى مؤداها إنهاء العقد وإعادة الأرض إلى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مع تقييد التصرف فيها باتباع الإجراءات القانونية السليمة وبالمقابل العادل فى الوقت الحالى الذى تسفر عنه هذه الإجراءات التى فرضها القانون للتصرف للبيع فى أراضى الدولة وانتهت المحكمة إلى أنه لا صحة للقول بأن حكم بطلان العقد سيلقى بظلاله على كل من سبق إن خصصت له قطعة أرض من الأشخاص الطبيعيين أو النقابات أو النوادى وغيرها من الجهات التى تقوم على تأدية الخدمات لأعضائها ولا تستهدف الربح، إذ إن التخصيص الذى تم لهؤلاء جرى وفقاً لقواعد خاصة بهيئة المجتمعات ولائحتها العقارية بشأن الإسكان الاجتماعى وهو ما لا يخضع لأحكام قانون المناقصات والمزايدات. وأوضحت أنه لا ينال مما تقدم ما قررته النيابة العامة من حفظ التحقيق فى بلاغ إهدار المال العام فى العقد محل التداعى، إذ إن أمر بطلان العقد من عدمه مسألة مستقلة عن هذا التحقيق الذى يتعلق بالمسؤولية الجنائية وعما إذا كان هناك إهدار للمال العام من عدمه. وقال مصدر مسؤول إن الحكم استند إلى ذات الأسباب التى أوردها تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، التى حددها فى مخالفة نصوص قانون المزايدات والمناقصات عند إبرام التعاقد، مشيراً إلى أن الحكم رد على المشككين فى تقرير جهاز المحاسبات، الذين حاولوا إضفاء الشرعية على عقد «مدينتى» رغم ما شابه من مخالفات.