■ بين النفى والتأكيد، مازال الغموض يكتنف القرار الخاص باعتزام الرئيس الفلسطينى محمود عباس عدم ترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة، خاصة بعد التسريبات المتضاربة بشأن قرار عباس عدم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة، التى حدد موعدها فى الرابع والعشرين من يناير المقبل بمرسوم أصدره سابقاً. ويكثر الحديث عن أسباب هذا القرار من جانب عباس، احتجاجاً منه وإظهاراً لغضبه الشديد من عدد من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وأعضاء لجنتها التنفيذية بسبب الانتقادات الحادة التى وجهت إليه فى أعقاب عدم التصويت على تقرير جولدستون فى الثانى من الشهر الجارى إذ كان أبومازن يتوقع من هذه الفصائل والشخصيات دعم موقفه لا تخطئته. المعلومات التى رشحت تؤكد أن عباس أبلغ الحاضرين بتصميمه على عدم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة وطلب منهم البحث عن مرشح بديل للرئاسة، واعداً بدعم هذا المرشح المتفق عليه، بل إن عباس أمهلهم عشرة أيام لتسمية المرشح المتفق عليه، وفى حال عجزوا عن الاتفاق على مرشح ما خلال الفترة المحددة، سيعلن أبومازن عدم ترشيح نفسه فى بيان رسمى. ورغم أن عدداً من الأعضاء اعترض على قرار الرئيس وردة فعله على انتقادات الفصائل والقيادات ولجنة التحقيق التى شكلها فى إرجاء التصويت على «تقرير جولدستون» والطريقة التى تعامل بها أثناء الاجتماع غير أن السلطة الفلسطينية على لسان بعض مسؤوليها نفوا نفياً قاطعاً اعتزام الرئيس عباس إعلان استقالته، معتبرين ذلك محض شائعات وادعاءات فى محاولة لإحداث بلبلة وارتباك فى الساحة الفلسطينية. لكن الأكيد فى هذه المعلومات المتضاربة أن الرئيس عباس مُصر على إجراء الانتخابات فى موعدها الذى حدده، بدليل توجيهه رسالة إلى رئيس لجنة الانتخابات العامة لمباشرة عملها استعداداً لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية فى موعدها، مطالباً إياها بإجراء التحضيرات المختلفة اللازمة لذلك تنفيذاً لمرسومه الرئاسى فى هذا الخصوص. إن الاستخفاف الذى قابلت به إسرائيل تهديد الرئيس أبومازن بالاستقالة رغم نفيه يأتى فى نطاق الموقف الإسرائيلى الملتبس من الرئيس أبومازن ومحاولة ابتزازه بالادعاء أن هذا القرار جاء للضغط على أوباما كى يمارس الأخير بدوره ضغطاً على إسرائيل، ويعكس مدى تهرب أبومازن من الدخول فى مفاوضات مباشرة حول التسوية وتفضيله أن تقوم الإدارة الأمريكية بالمهمة بدلاً منه وتفرض إملاءاتها على إسرائيل. وأياً كانت حقيقة هذه الاستقالة أو عدم الترشح مرة أخرى للانتخابات الرئاسية من قبل أبومازن، فإن الحقيقة الواضحة تتلخص فى أن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية التى جرت حتى الآن وتطوراتها تضعف مكانة أبومازن، بعد أن كان قد ارتفع رصيده كثيراً عقب مؤتمر فتح فى أغسطس الماضى وأن هناك حاجة لأن تتكاتف جهود الولاياتالمتحدة والدول العربية المعتدلة لتقوية مكانته وتحقيق الإنجازات له فى موضوع المفاوضات خاصة بعد انتكاسة تقرير جولدستون، فالرئيس عباس شكا أكثر من مرة من التصرفات الأمريكية فى موضوع تقرير جولدستون التى أساءت له بشكل كبير، إذ كان من المفترض أن تتخذ الولاياتالمتحدة موقفاً واضحاً ضد جرائم الحرب الإسرائيلية وبدلاً من ذلك هاجمت التقرير كما أن المواقف الأمريكية جعلت أبومازن يشعر بأنه وحيد فى وجه الألاعيب الإسرائيلية. لقد سربت صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية حديث أبومازن مع أوباما الذى عتب فيه أبومازن على الإدارة الأمريكية موجهاً حديثه لأوباما بأنه لم يعد يعرف ما الذى يريده منه، وقال: «أنتم لا تريدون منى الذهاب إلى انتخابات عامة، ولا تريدون أن أقيم حكومة وحدة وطنية، وقمتم بممارسة الضغوط علىّ لكى لا أوقع على اتفاق المصالحة مع حماس، وفى الوقت نفسه تقدمون غطاء للممارسات الإسرائيلية الاستيطانية، فعلى أى شىء تريدوننى أن أفاوض إسرائيل؟». ورأى عباس فى ذلك أن الأمريكيين وإسرائيل وحماس معاً يحشرونه فى زاوية خانقة ولم يتركوا له أى مخرج سوى التنحى. وإذا كانت هذه الوقائع هى حقيقة الأمر، فإن السؤال الذى يطرح نفسه: هل الفلسطينيون وأمريكا والعالم أيضاً مستعدون لوجود رئيس آخر غير الرئيس عباس فى المرحلة المقبلة؟ وهل يوجد رئيس آخر مستعد للتحديات المقبلة وترضى عنه حماس وإسرائيل؟!