فى الموروث الشعبى وفى عالم الطفولة يزدهر السرد الذى يتدثر بالليل والصوت الخفيف حتى يُحدث الأثر المطلوب فى النفس البشرية. وكلنا نتذكر حواديت الليل والظلام والصوت الهامس المرتعش عن المارد والجنيّة والعفريت الذى تعملق فقطع الطريق. تذكرت كل ذلك عندما حاولت أن أفهم سر إصرار الدكتور مرسى على إصدار قراراته بعد منتصف الليل، وكذلك إصراره على أن يُسمعنا حواره مع عمرو الليثى أيضاً بعد منتصف الليل، هل من أجل أن تصل الرسالة بوضوح حيث سكينة بعد منتصف الليل، أم أنه مازال يعانى من الحياة السرية التى كان يعيشها تحت الأرض حيث الظلام الدامس فمازال لا يفرق بين ضوء الشمس وضوء القمر؟ أم أن الرئيس مرسى وأعوانه لا يحلو لهم الكلام إلا بعد منتصف الليل حيث تكون المعدة قد امتلأت والفكرة قد انخفضت والعين قد نامت مما يجعل إصدار القرارات دون حساب ووعى ودون خوف أو وجل كما كان يفعل ستالين وكل زناة الأرض من الجبابرة، لذلك صدر الإعلان الدستورى الذى نصَّب مرسى ديكتاتوراً وفرعوناً ومستبداً عظيماً بعد منتصف الليل، وصدر دستور عند الخامسة فجراً فى جلسة ماراثونية شهيرة، وعند الفجر أيضاً يخرج قنديل لكى ينال ثواب الحراسة والسهر على أمن الناس بدلاً من الشرطة ونتيجة كل ذلك وحصاده صفر كبير فى كل المجالات سواء فى مجال الأمن أو الاقتصاد أو السياسة. وعند الفجر، يوم 5 أغسطس 2012 أيضاً ارتدى مرسى بدلة الماريشال والفيلد وقاد بنفسه، كما أعلن، القضاء على جماعات التطرف فى سيناء وأعلن بدء العملية نسر لتطهير سيناء التى لم نعلم بنتيجتها حتى الآن سوى مزيد من الخسائر والفضائح فى سيناء العزيزة، وعند الفجر أو ما قبله أو بعده قليلاً يُخرج لنا مرسى قراراً أعرج، قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر التى قسمها لصالح جماعته دون أى مراعاة لملاحظات المحكمة الدستورية أو مراعاة التقسيم الجغرافى والسكانى أو حتى مراعاة المصريين. ويخرج لنا انقلاب السلطة التنفيذية التى يترأسها على السلطة القضائية بقراره عزل النائب العام وتعيين نائب عام ملاكى وخصوصى جداً له ولجماعته وعشيرته، وكذلك ما تم من قرارات له ولتابعيه لأخونة الدولة سواء كان ذلك فى مؤسسة الرئاسة أو فى 19 محافظة تحت سيطرة الإخوان. وهكذا تصير السلطة التنفيذية والتشريعية التى يترأسها صهره والسلطة القضائية التى يتولى فيها منصب «محامى الشعب» رجل إخوانى مثله، كل ذلك تحت سيطرة جماعته وتحت يد وذراع الجماعة الرئاسى، وهكذا نعيش دولة الإخوان ودولة شعب الله المختار من الإخوان، ونعيش كذلك العصر الجاهلى الذى تعمل الجماعة على إنهائه بنشر الإسلام رغم مجىء عمرو بن العاص أول الولاة المسلمين فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب. وفى النهاية نتذكر المثل الشعبى العظيم الذى ينطبق على كل قرارات الدكتور مرسى «كلام الليل مدهون زبدة تطلع عليه الشمس يسيح» وها نحن فى انتظار شروق الشمس من جديد.