باستثناء ما جاء فى برنامج «48 ساعة» على قناة المحور، مساء أمس الأول، لم يفكر أحد فى إدارة نقاش جاد حول الأفكار التى دعا إليها الأستاذ هيكل، فى حواره مع الأستاذ مجدى الجلاد على صفحات «المصرى اليوم» أيام الثلاثاء، والأربعاء، والخميس الماضية! كان النقاش هادئاً، وهادفاً، على مدى ساعة، ونجح سيد على وهناء سمرى فى تقديم جوهر الموضوع بأمانة للمشاهدين، وكان زميلنا بشير حسن، رئيس تحرير البرنامج موفقاً، فى فتح الاتصال على الهواء مباشرة، مع بعض الذين شاهدوا ومن قبل كانوا قد قرأوا، ثم كان لهم رأى فى مجمل الأفكار الواردة فى الحوار! طبعاً هناك آخرون كثيرون تعرضوا لحوار «هيكل»، ولكن الاستخفاف بما جاء فى الحوار من أفكار، كان ولايزال مع الأسف، سمة غالبة فى كتابات الذين قرأوا ثم أرادوا أن يكون لهم تعليق، وقد كان الأمل ولايزال أيضاً، أن يكون الجدل حول أفكار الرجل، جدلاً راقياً، لا يتهم، ولا يستخف، ولا يسارع إلى التسفيه والتقليل من شأن الفكرة إجمالاً وصاحبها معاً!.. وإنما يبنى فوقها، أو يطرح بديلاً لها! فمن حقك تماماً، أن ترفض أى فكرة وأن تفندها، وأن تقول فيها ما تشاء، بشرط ألا يكون ما يقال تحقيراً لها أكثر منه أى شىء آخر! وربما كان الدكتور محمد غنيم، الجراح الكبير ومؤسس مركز الكلى فى المنصورة، هو الوحيد الذى اهتدى وهو يتكلم فى «المصرى اليوم» صباح أمس، إلى أصل الموضوع، فى كل ما يدور الآن من حوار، حول فكرة مجلس الأمناء التى أطلقها «هيكل» فأحدثت هذا الصخب، فالأصل فيها أن يوضع لهذا البلد دستور عصرى يخاطب أفكار الزمان الذى نعيش فيه، لأن بلداً بلا دستور من هذا النوع، إنما يظل فى النهاية دائراً فى حلقة مفرغة، لا تؤدى به إلى حصيلة حقيقية فى حياة أبنائه، ولأن الدكتور غنيم رجل عظيم، ويعرف أهمية أن يتحدث كل واحد فى تخصصه، وفيما يفهمه، فقد سارع إلى القول بأن لديه أشياء مهمة فى اتجاه الارتفاع بالتعليم، ويريد أن يقدمها لمثل هذا المجلس من الأمناء عند الضرورة، وحين يخوض واحد بوزن الدكتور غنيم، فى قضية التعليم، فيجب أن نسمع، وأن ننصت! لم يزعم هيكل، فيما أظن أنه يحتكر علاجاً لمشاكلنا، ولكنه من خلال حواره المطول، يريد أن يقول، إن هذا هو اجتهاده، وأنه اجتهاد يمكن أن يكون صائباً، أو يكون العكس، ولكن ليس هذا هو المهم، فالأهم أننا أمام فكرة يمكن أن تليها أفكار أخرى يجرى طرحها فى المستقبل، وأن يكون الكلام الراقى حولها، مؤدياً إلى استخلاص شىء محدد، يظل موضع توافق بيننا! نحن فى وضعنا اليوم، أقرب ما نكون إلى جماعة على سفر، ومن الطبيعى لأى مسافر أن يتأهب بما يعينه على مشقة السفر، والبلاد فى العادة لا تسافر كالأشخاص إلى مكان، وإنما تسافر إلى المستقبل، وما لم يكن البلد على اتفاق بين أبنائه، حول زاد السفر متمثلاً فى الدستور، فإنه سفر بلا أثر!