ما أكثر الحوارات التى أجرتها الصحف مع الأستاذ هيكل، على امتداد حياته، وما أطول الأحاديث التى أدلى بها هو لوسائل الإعلام فى أوقات كثيرة.. ولكن حواره هذه المرة، الذى أجراه الأستاذ مجدى الجلاد معه، ونشرته «المصرى اليوم» على ثلاثة أيام، كان آخرها صباح أمس، يظل حواراً موحياً، ومختلفاً، ومهماً، لعدة أسباب: الأول أنه حوار يأتى فى لحظة سياسية يمر بها هذا الوطن، تكاد تكون فاصلة، والثانى أن الرجل يتكلم فيه على غير عادته، عن المستقبل، لا عن الماضى، ولا حتى الحاضر. أما السبب الثالث، والأهم، فهو أن «هيكل» لا يقول كلامًا وكفى، ولا ينتقد ما هو قائم، ثم يتوقف عند هذه المرحلة، وإنما يقدم حلاً لوضع يبدو شديد التعقيد فى البلد على مستواه السياسى! إنه يقترح، على سبيل المثال، أن يجرى تشكيل مجلس أمناء للدولة والدستور، بحيث يضم فى عضويته عدداً من الشخصيات التى تحوز الاحترام والمصداقية معاً لدى الناس.. وقد ذكر منهم - مثلاً - عمرو موسى، عمر سليمان، منصور حسن، أحمد زويل، محمد البرادعى، مجدى يعقوب، حازم الببلاوى، إلى جانب آخرين طبعاً! وإذا كان هناك أحد فى البلد يتمنى شيئاً حقيقياً، فى هذه اللحظة، فهو أن يؤخذ اقتراح من هذا النوع، بجدية تليق باجتهاد صاحبه فيه، وتليق أيضاً بهدفه من ورائه، الذى يرمى قطعاً إلى مصلحة عامة لبلد يظل أحوج البلاد إلى حلول تتقدم عملياً لمشاكله، لا إلى «مناحة» تقام حول أوضاعه المتردية على أكثر من مستوى! قد نختلف حول بعض الأسماء التى جاء ذكرها، وهذا طبيعى، بل وقد نختلف حتى عليها كلها، وهذا أيضا وارد، ولكن ما يجب أن نتفق عليه، أننا أمام رغبة، فى غاية الجدية، تقدم حلاً لمعضلة تواجهنا جميعاً، ولا نزعم أنها تحتكر الحل، أو الحقيقة، وإنما يجوز جداً، أن تكون هناك أسماء أخرى، تضاف إلى مجلس الأمناء، بل ويمكن أن تتشكل أكثر من لجنة، تضع تصورها لمستقبل بلدها، ثم تقدم هذا التصور لمجلس الأمناء المقترح! وإذا كان الأستاذ هيكل، قد قال، فى الجزء الأول من الحوار، إن جمال مبارك لا يحق له أن يترشح للرئاسة، وذكر أسبابه، فإن جمال مبارك، فى تقديرى، لا يجوز فى المقابل أن يجرى استبعاده من التفكير مع الناس، من أجل مستقبل بلده، فهو عملياً موجود فى عمق الحياة السياسية منذ تسع سنوات تقريباً، ويفكر ويعمل على الملأ، وإذا كانت هناك اجتهادات الآن، من أجل المستقبل، فهو مؤكد عنده اجتهاده الخاص.. ولكن أهم شىء فى هذا كله، أن يجرى النقاش حول الأفكار كلها، ومعها الاجتهادات، بعيداً عن أى تخوين لأحد، أو تسفيه لأى رأى، وأن يكون الأصل فى الأمر كله هو الفكرة، لا الشخص.. البرنامج المطروح، لا الأشخاص الذين قدموه.. فقد تكون هناك لجنة بلا أسماء كبيرة، ولكن لديها أفكار جادة، وعملية، وممكنة، وواصلة إلى العقول، أكثر مما سواها.. وقد كان يقال دوماً، ولايزال يقال، إن الحكمة ليس من الضرورى أن تأتى من أفواه الحكماء!