النقاش الدائر بقوة هذه الأيام، حول حوار الأستاذ هيكل فى «المصرى اليوم»، الأسبوع الماضى، يبدو مفتقداً عدة مبادئ مهمة، من الضرورى أن يكون بيننا اتفاق حولها! منها مثلاً أن الرجل مهتم فقط بشأن بلده، وليس مسؤولاً فى منصب، يستطيع من خلاله أن ينقل اهتمامه من الكلام إلى الفعل، على عكس آخرين فى الدولة، يجمعون بين الاهتمام بالشأن ذاته وبين المسؤولية معاً، ويستطيعون إذا أرادوا أن ينجزوا فى هذا الاتجاه، فعل ما يعجز عنه هو! ومن هذه المبادئ المفتقدة أيضاً، أن هيكل يغار على بلده، بمثل ما تغار عليه أنت، وبمثل ما يغار عليه أى مواطن آخر، أياً كان موقع هذا المواطن، ولا مجال هنا، مطلقاً، لأن يزايد أحد على أحد، بالضبط كما لا يستطيع أحد أن يقول إنه يحب أولاده أكثر مما تحب أنت أولادك.. لا مجال! ومنها، للمرة الثالثة، أننا أحوج ما نكون، فى هذا النقاش، إلى أن نتسلح بذلك المبدأ الشهير، الذى كان الرئيس الأمريكى جون كيندى يدعو إليه، ويقول: لا يجب أن نذهب إلى التفاوض، ونحن خائفون، فإذا جلسنا للتفاوض فلا يجوز أبداً أن نخشاه فى حد ذاته! ومع بعض التصرف، فى مبدأ كيندى، فإننا لا يجب أن نذهب إلى النقاش حول الأفكار التى طرحها هيكل ونحن خائفون، فإذا جلسنا للنقاش حولها فلا يجب أبداً أن نخشى من فتح الجدل حولها، أو حتى حول أى فكرة أخرى! وربما يكون الدكتور عبدالمنعم سعيد، قد أخذ بهذا المبدأ الأمريكى المهم، حين تعرض للموضوع فى «الأهرام»، أمس، باستفاضة رغم اختلافه الكامل مع هيكل، ومع أفكاره الواردة فى حواره الذى أجراه الأستاذ مجدى الجلاد! فإذا انتقلنا من مبادئ النقاش، إلى حقائقه، كان علينا أن نتساءل عما إذا كانت دعوة الأستاذ هيكل إلى تشكيل مجلس أمناء للدستور، دعوة ممكنة أم أنها مستحيلة، إذا ما تأملنا حقيقة موقف الرئيس مبارك منها، بوصفه هو الذى تعنيه مثل هذه الدعوة، فى المقام الأول والأخير!.. فلا أحد غيره إطلاقاً يستطيع أن يتبناها عملياً! فالرئيس يعتقد أن دستورنا الحالى فى أفضل حالاته المناسبة لنا، ولو كان يرى عكس ذلك، لكان قد بادر من تلقاء نفسه إلى تشكيل مجلس أمناء من أشخاص يختارهم هو لا هيكل، من أجل وضع هذا الدستور المفترض.. ولكننا نعرف جميعاً أن اللجنة التى صاغت تعديلات 2007، فى دستورنا الحالى، وعدلت بالفعل 34 مادة منه، كان رأيها أن المادة 77 يجب تعديلها، وكان رأى الرئيس، بعد أن سمع هذا الرأى من أعضاء اللجنة، أنها ليست فى حاجة إلى تعديل! والرئيس يثق قطعاً فيمن حوله، أكثر مما يمكن أن يثق فى الأسماء التى جاءت ضمن دعوة الأستاذ هيكل، وإلا لكان الرئيس قد سارع من تلقاء نفسه أيضاً، وجاء بآخرين فى مكان المحيطين به، إذا لم يكن يثق فيهم ثقة كاملة! الرئيس إذن لا ينقصه، من وجهة نظره مستشارون، ولا يعانى من فقر من أى نوع فى الاستشارات التى يمكن أن يطلبها، وأن يجدها متاحة بين يديه، ولو أن أحداً صارحه، وقال له إن فلاناً أى هيكل يدعو إلى دستور جديد يضعه مجلس أمناء، فسوف يكون رد الرئيس: وماذا أفعل أنا من 28 سنة؟! الدعوة جديرة، حقاً، بأن يجرى حولها نقاش جاد، ومحترم، دون تطاول، ودون اتهام، ودون تجاوز، رغم أنها تبدو لكل هذه الأسباب نظرية جداً وغير عملية بالمرة، ويبدو صاحبها على الملأ، وكأنه بالفعل يحلم!