كنت أتمنى ألا يصدر البيان المنشور فى صحف «الأحد» لمصدر مصرى مسؤول، عن طلب «حماس» تأجيل التوقيع على اتفاق المصالحة بين الفصائل، الذى كان مقرراً له الخامس والعشرون من الشهر الحالى.. لعدة أسباب منها أن «حماس» طلبت مهلة لدراسة المشروع المقدم من مصر، وهل هو المتفق عليه أم أدخلت عليه بنود أو حُذِفَت رغم أن فتح وافقت مع بعض التحفظات، وبالتالى كان من الأفضل إعطاؤها هذه الفرصة لأن الموعد المحدد ليس عيداً قومياً لمصر لا يمكن تأجيله، بالإضافة إلى أننا ظللنا عاماً كاملاً نتفاوض مع المنظمات الفلسطينية بصبر ونوافق على التأجيل إثر الآخر، وهو ما أشار إليه البيان، ومنها أن البيان وجه اتهامات لحماس بأنها تسوف وتماطل، ولها: «نيات غير سليمة وتوجهات أخرى وأجندات خاصة».. وهذا تجديد للاتهامات السابقة بأنها تنفذ مخططاً سورياً - إيرانياً - قطرياً.. وهو إعادة لأجواء التوتر التى سادت فى مرحلة سابقة.. والسبب الثالث الذى من أجله تمنيت عدم صدور البيان بالصيغة التى صدر بها، أنه أبدى استهانة غير مباشرة بتقرير القاضى «جولدستون» عندما قال: «أدانته حركة حماس نفسها عقب صدوره، وهل من العدل أن تضحى حماس بمصالحة تاريخية من أجل تقرير تعلم نتائجه؟ صحيح أنه تقرير على درجة من الأهمية». وهذه عبارة قد تحمل شبهة الانحياز لموقف السلطة من طلبها المخزى، والمريب تأجيل مناقشته بحجة أن نتائجه معروفة مقدماً ولا قيمة له على الرغم من أن وزير الخارجية أحمد أبوالغيط رفض موقف السلطة فى تصريح رسمى، معلناً أن مصر فوجئت.. ولو علمت لرفضت، كما وصفه عمرو موسى بأنه مثير للغثيان، وتعرضت السلطة لإدانة من العالم أجمع وعلى رأسها حركة «فتح» نفسها والشعب الفلسطينى، وأصيبت منظمات حقوق الإنسان فى العالم بصدمة مذهلة أجبرت الرئيس محمود عباس على التراجع، وأسرعت السلطة بتقديم طلب آخر، وتمت موافقة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عليه بأغلبية بعكس كل ادعاءاتها، بأنه لم يكن مضموناً تمرير التقرير.. فلماذا تأتى مصر الآن لتبرر - ولو بطريقة غير مباشرة - موقف إدانته كما أدانت السلطة نفسها بتراجعها السريع، وهو أمر إيجابى على أى حال؟ والسبب الرابع هو افتقاده الصياغة الدبلوماسية.. وتحوله إلى مقال فى معركة صحفية، فاستخدم عبارات، مثل - مصر بذلت جهوداً مضنية تفوق الخيال على مدى أكثر من عام - و«هل من العدل أن تضحى حماس بمصالحة تاريخية». وأما العبارة الثالثة فلا تتفق بالمرة مع مكانة مصر كدولة وهى: «يجب على الإخوة فى حماس أن يعلموا أن مصر دولة حجمها وثقلها كبير، ويتعين عليهم أن يتعاملوا معها على هذا الأساس فنحن لسنا منظمة أو حركة أو فصيلاً، أو تنظيماً». هل هذا معقول؟ أن نصل إلى مستوى نطلب فيه من الإخوة فى «حماس» أن يعاملونا باعتبارنا دولة؟ ثم ما الفرق بين منظمة وحركة وفصيل وتنظيم بحيث يعددها المصدر المسؤول؟ ولا أعرف لماذا لم يوجه نفس الطلب إلى السلطة الفلسطينية التى اتفقت من وراء ظهرنا مع أمريكا وإسرائيل على طلب التأجيل.. ولا تعتبرنا سلطة مثلها؟ ويتهمها بأنها تنفذ أجندات خاصة.. خاصة أنه موقف يحمل إشارات عن إمكانية عقد السلطة اتفاق سلام مع إسرائيل وبرعاية أمريكية من وراء ظهرنا، فى مرحلة ما، وفى ظروف معينة مع حكومة إسرائيلية أخرى، ممثلة لأحزاب غير الليكود.. والعودة إلى المشروع الذى اقترحه الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون عام 2000 أيام رئاسة عرفات، وإيهود باراك للوزارة ورفضه عرفات، ووقتها اتهم الأمريكيون والإسرائيليون الرئيس مبارك بأنه الذى نصح عرفات بالرفض.. ومبارك نفسه فيما بعد هاجم المشروع القائم على تبادل الأراضى، وأن تكون السيطرة على المسجد الأقصى للفلسطينيين، وتحته لإسرائيل.. خاصة أنه توجد الآن توجهات لدى بعض الفئات الفلسطينية ترى أنها فرصة ضاعت، فلو افترضنا أنها عادت، رغم قبولها تنفيذاً لاقتراح الدولة المؤقتة.. وترك غزة مؤقتاً، وإلقاؤها مع مرور الوقت على مصر.. وأقول، هذا احتمال، قد لا يحدث أبداً، وقد نجد أنفسنا فجأة أمامه ما دامت السلطة الفلسطينية قد اتفقت مع أمريكا وإسرائيل وآخرين على طلب التأجيل من وراء ظهرنا، فهل لدينا نحن سيناريوهات مضادة لكل احتمال؟ أم سنظل أسرى عقدة تنفيذ «حماس» أجندات لدول معادية لنا؟ أما الغريب فى الأمر كله، فإنه داخل مصر فريق له أجندات بعيدة عن أجندة مبارك وأجهزة الدولة السيادية نحو «حماس» وسوريا وإيران وحزب الله، تقوم على أساس شن حروب ضدها لتأديبها، وعبر عنها زميلنا الدكتور محمد عبدالسلام، بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ب«الأهرام»، عضو لجنة السياسة الخارجية بالمجلس الأعلى للسياسات التابع لأمانة السياسات بالحزب الوطنى فى مقال بجريدة «نهضة مصر» يوم «الاثنين» 13 أبريل الماضى عنوانه - كيف نتعامل مع أوباش الإقليم - قال فيه بالنص: «على كل طرف قام بعمل معاد لمصر أو تعامل باستسهال مع أمن مصر القومى أو أرسل أحد أزلامه ليعيث فيها فساداً، أن يدفع ثمناً لما قام به، وهذا الثمن يجب أن يكون مؤلماً مهما كانت النتائج وحتى لو اضطرت مصر إلى خوض مواجهات مكشوفة دون تلك الحسابات المملة».. وقال عن «حماس» بالنص: «يجب التفكير فى شىء آخر، كان هناك 10 توصيات بشأنه حتى قبل حرب غزة، عندما كانت المؤشرات تتتالى، وهى الاشتباك مع تلك الأطراف.. فالسلوك الأمريكى فى باكستان يجب أن يُدرس جيداً والسلوك الروسى فى آسيا الوسطى، والصينيون لا يتركون حقوقهم معلقة فى الهواء».. وقال عن حزب الله بعد كشف خليته: «سيوضع حالياً تحت المنظار.. وأن زعيمه عليه أن يزيد عدد مخابئه التبادلية، لكن لابد من القيام بشىء ما».. وقال عن ردود الأفعال فى مصر التى ستحدث إذا شنت مصر الحرب على أوباش المنطقة: «بالنسبة للفئات التى تتبنى اتجاهات الدروشة القومية أو الإسلامية أو التى ستحمل الدولة المصرية مسؤولية أى شىء مهما كان، فإنه لا يجب الالتفات لأى ردود فعل من جانبها، بل على الأرجح، فإن ذلك سيؤدى إلى تعقلها». والمطلوب الآن، الكشف عن المجموعة التى وضعت عشر توصيات، بقيام مصر بتوجيه ضربات عسكرية لأوباش المنطقة، وهل هى تنفيذ لأجندة مصرية أم لأجندات خاصة؟