■ إذا كان لدى حركة حماس من الحجج والمبررات لتأجيل التوقيع على اتفاق المصالحة الفلسطينية بسبب ما رشح من أزمات نتيجة تأجيل التصويت على «تقرير جولدستون»، فإن لديها من المبررات للتأجيل الأكثر قوة بسبب ما سمته الاتفاق الفضفاض، الذى تتضمن بنوده طاقة كافية كفيلة لإجهاض أى فرصة لتحويل اتفاق المصالحة إلى واقع معاش فى حال لم تتسلح الأطراف بحسن النوايا. فمن وجهة نظر حماس فإن الاتفاق الذى صاغه المصريون ترك ملف المعتقلين السياسيين على حاله، كما يتضمن بنداً أساسياً يتعلق بتشكيل لجنة مكونة من ممثلى الفصائل لإدارة غزة حتى إجراء الانتخابات القادمة ولم يتطرق لطابع اللجنة ومرجعيتها وطبيعة عملها وعلاقتها بكل من حكومة إسماعيل هنية المقالة والرئيس الفلسطينى محمود عباس، بالإضافة إلى البند المتعلق بالانتخابات، فضلاً عن أن عدداً من الفصائل بات يطالب بإعادة النظر فى الكثير من القضايا المهمة بعد سحب السلطة تقرير جولدستون، مثل المفاوضات بين إسرائيل والسلطة، والتنسيق الأمنى وغيرهما. وإذا كان هذا هو موقف حماس المعلن حتى الآن لتعليق الاتفاق، فإن مسؤولين فى حركة فتح يميلون إلى قبول «الصيغة الوسط»، التى عرضتها مصر لإنقاذ جهود المصالحة الفلسطينية، والتى تنص على توقيع مشروع اتفاق لإنهاء الانقسام، على أن ترجئ الاحتفالات إلى مرحلة لاحقة، وكانت مصر قد اقترحت على فتح وحماس توقيع مشروع الاتفاق الذى قدمته بصورة منفصلة فى الخامس عشر من الشهر الجارى، على أن يتم التوقيع المشترك على اتفاق تفصيلى بعد عيد الأضحى، وتنص الورقة على إجراء انتخابات عادلة فى الثامن والعشرين من يونيو المقبل، وإعادة بناء أجهزة الأمن فى غزة تحت إشراف مصرى، وتشكيل لجنة فصائلية لمتابعة تنفيذ الاتفاق وإعادة إعمار غزة. وجاء هذا الاقتراح باعتباره صيغة وسط بعد مطالبة حماس بتأجيل التوقيع على الاتفاق على خلفية إرجاء تقديم تقرير جولدستون إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خاصة أن حماس تعتبر تأجيل التصويت على التقرير بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير والكيل الذى طفح، مما أفسد وسمم أجواء المصالحة وشكل حالة غضب لا يمكن فى ظلها أن تعقد جلسة مصالحة. كان خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، قد شدد من دمشق على أن المصالحة تقوم على أمرين واضحين: هما ترتيب البيت الفلسطينى فى إطار السلطة ومنظمة التحرير وفق قاعدة الديمقراطية والانتخاب الحر لبناء مؤسسات المنظمة والسلطة، والتوافق على البرنامج السياسى الوطنى وآلية صناعة القرار السياسى، مؤكداً ضرورة الاحتكام إلى الهوية الفلسطينية الحقيقية لتكون المصالحة وطنية. غير أن حركة فتح رفضت طلب حماس من مصر تأجيل الموعد المقرر لتوقيع المصالحة طالما هناك اتفاق سابق، معتبرة يوم الخامس والعشرين من الشهر الجارى هو الموعد الأخير لإصدار الرئيس عباس مرسوماً رئاسياً، بحسب الدستور، يعلن فيه موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، وإذا استمرت حماس فى التهرب من استحقاق المصالحة، فإن هذا التاريخ سيكون موعد إعلان إجراء الانتخابات فى موعدها المقرر فى نهاية شهر يناير المقبل، وهو بالطبع موعد ترفضه حماس، التى قالت إن أى انتخابات لن تجرى قبل المصالحة. لقد استشعرت مصر من تزايد الفجوة بين موقفى الطرفين فتح وحماس بداية لأزمة جديدة، ربما تكون أكثر استعصاء من سابقاتها، لذا أعلنت القاهرة إرجاء توقيع اتفاق إنهاء الانقسام الفلسطينى واعتبرت هذا الإرجاء أمراً محتملاً ربما لأسابيع عدة أو هى التى كانت تقود مسيرة المصالحة بخطوات حثيثة وحماس لا ينقطع لإنهاء هذا الملف، وربما رأت مصر أنه بإعلان التأجيل تكون قد نزعت فتيل مواجهة دامية بين فتح وحماس، قد تعيد خطوات المفاوضات المستمرة بينهما منذ أكثر من عام إلى نقطة الصفر. وفى هذا السياق جاء رد الفعل الشعبى الفلسطينى على تأجيل المصالحة، بتوجيه انتقادات لاذعة للطرفين للإصرار على استمرار حالة الانقسام وانتقدت الفصائل الفلسطينية طلب حركة حماس، إرجاء التوقيع على الاتفاق الذى يفتح الباب واسعاً لإنهاء الانقسام واستعادة وحدة الوطن، معتبرة أن استمرار الانقسام جزء لا يتجزأ من أزمة القيادة والبرنامج والأداء ولا يقل خطراً عن مواصلة الرهانات العقيمة والضارة على الحلول والوعود الأمريكية والتفرد والاستئثار المستشرى فى سلطتى رام اللهوغزة. فهل ينحاز الموقف الأعم الفلسطينى لالتزام الخيار الديمقراطى، الذى يشكل أساساً ومدخلاً وعلاجاً سليماً للشأن الداخلى الفلسطينى ويتم التوقيع على اتفاق المصالحة فى موعده رغم كل شىء؟!