الضرائب هى موضوع الساعة فى مصر وفى العالم كله. فى مصر بمناسبة عرض الحكومة لمشروع الموازنة الجديدة للعام المالى القادم، وفى العالم لأن الدول الصناعية فى طريقها - أو قامت بالفعل - برفع الضرائب لديها لكى تتمكن من تدبير الموارد المالية اللازمة للخروج من الأزمة المالية ولتنشيط الاقتصاد. وبرغم أن رفع الضرائب عادة موضوع لا يحبه الناس، إلا أن هذه المرة بالذات يبدو أنه ارتبط فى الأذهان بفكرة الحد من حالة الجشع، التى انتابت العاملين فى الأسواق المالية العالمية، وبالتالى ارتبط أيضا برغبتهم فى إعادة توزيع الدخل وإقامة توازن بين المصالح المختلفة. الأمر ذاته طرحه العديد من المعلقين فى مصر بمناسبة مناقشة الموازنة القومية، أى أن تتم زيادة الضريبة كوسيلة للحد من الفقر ولتحسين توزيع الدخول. ولكن برغم صحة هذه الفكرة من حيث المبدأ، وأن أحد الأغراض المعروفة للضرائب هى توزيع الدخل فى المجتمع، إلا أنه مبدأ له شروط ومحاذير عديدة، يجب الانتباه لها حتى لا نندفع وراء ما قد يبدو محققا للعدالة بينما أثره النهائى مختلف. فالربط المباشر بين رفع الضريبة وبين تحسين توزيع الدخل يحد منه اعتباران فى الحالة المصرية. الاعتبار أو القيد الأول هو العلاقة العكسية بين عدالة الضريبة وسهولة تحصيلها. فالضرائب الأكثر عدالة - من منظور توزيع الدخل - فى الغالب ما تكون الأصعب فى الاحتساب والتحصيل والمتابعة، وتتطلب قدرا كبيرا من الأوراق والبيروقراطية والجزافية فى التقدير، وبالتالى يسهل فيها فتح أبواب الفساد. وهذه ليست مصادفة، فكلما كانت الضريبة تسعى لخدمة هدف اجتماعى أكثر طموحا، لزم أن يؤخذ فى تقديرها وحسابها اعتبارات كثيرة، كلها قابلة للإثبات، وللتهرب، وللتزوير، وللتلاعب. أما الضرائب التى تكون بطبيعتها أقل عدالة فهى، للأسف الشديد، الأسهل فى الحساب والتحصيل والأبعد عن التهرب والفساد، لأنها تستند إلى معايير بسيطة ومباشرة. هذا لا يعنى أن ننتهى إلى أن إحدى الضريبتين أفضل من الأخرى، فكل مجتمع يسعى فى النهاية لتحقيق توازن صعب ودقيق بين العدالة والكفاءة عن طريق الجمع بين مختلف أنواع الضرائب. ولكن ما قصدت التذكير به، هنا، أن مجرد الربط بين رفع الضريبة وبين تحقيق عدالة فى التوزيع ليس صحيحا، وإنما يتوقف الأمر على نوعية الضريبة، وعلى قدرة أجهزة الدولة على تطبيقها. الاعتبار أو القيد الثانى، الذى ينبغى عدم نسيانه هو أن القدرة على رفع الضريبة على النشاط التجارى، خاصة ضريبة دخل الشركات، ترتبط بما إذا كانت هذه الأنشطة التجارية يمكنها الحركة بسهولة إلى بلد آخر أم لا، الأمر الذى يتوقف على حجم الاقتصاد، والمزايا التى تدفع للاستثمار فيه، والمنافسة بينه وبين جيرانه. هذه مسألة مهمة فى الحالة المصرية، لأن أحد الاعتبارات التى تحد من قدرتنا على الحركة ورفع الضريبة بسهولة على نشاط الشركات هو ألا ندفع الأنشطة الاقتصادية إلى النزوح إلى اقتصادات أخرى، تمنحها معاملة ضريبية أفضل. وبينما أن هذا اعتبار يواجه كل بلدان العالم إلا أنه ذو أهمية خاصة لمصر بالنظر إلى كون اقتصادنا صغيرا نسبيا بالمستوى العالمى، وأن بلدان الخليج، التى يمكن أن تنافسنا فى جذب الاستثمار تتميز بانخفاض الضريبة إلى حد غير معروف فى أى مكان آخر فى العالم، إلى حد اعتبار الضريبة نوعا من الاعتداء على حقوق الإنسان. الضريبة هى أداة المجتمع الرئيسية فى تحقيق السياسة الاجتماعية المنشودة، وفى إعادة توزيع الدخل بشكل مناسب. ولكنها علينا التحقق من محاذير وآليات ذلك حتى لا نسير وراء دعوة حق، قد لا ينتج عنها سوى الباطل، أو لا تحقق الآمال المعقودة عليها. لذلك فإن الأولوية فى تقديرى، قبل النظر فى رفع الضريبة عموما، هى فى الاستمرار فى تحسين آليات تحصيل الضرائب المعروفة بالفعل، والاستمرار فى سد الفجوات والثغرات التى تتسرب منها مستحقات الدولة، والاستمرار فى دفع الأنشطة الاقتصادية للخروج من الاقتصاد الموازى إلى النطاق الرسمى.