أحداث عديدة، سريعة ومتلاحقة، نلهث الأنفاس وراءها لمتابعتها، الصحف ووسائل الإعلام تكاد تواكب تلاحق الأحداث. الناس متلهفة لمعرفة نسبة العلاوة الاجتماعية المعتاد إقرارها فى مثل هذا الوقت قبل «تقفيل» الميزانيات وقبل نهاية الدورة البرلمانية. أنفلونزا الخنازير تشغل بال الدولة كلها، من الكبير للصغير، فهى وباء لا يرحم، والناس تتلهف لمعرفة أى أخبار مطمئنة، وهل يسافرون إلى العمرة أو لا يسافرون ويأخذون بالأحوط؟ هل انضرب موسم الحج هذا العام؟ ومن يتحمل هذه الخسائر الفادحة؟ هذه القضايا وغيرها تشغل بال الشعب المصرى، خاصة فى ظل إعلام مواكب وملاحق لكل التفاصيل والدقائق. ولا تنتهى الأمور عند هذا الحد، فانقضت علينا قضية اليورانيوم، وإن كنت أرى أنها ليست تستحق التركيز عليها بهذا الشكل الإعلامى المكثف، لأن هذا التكثيف يعطيها أكثر مما تستحق وأكثر مما يجب، وإذا نظرنا للأمور بشكل أكثر تدقيقا سنجد بعض التفسير لما حدث. سنجد أن التقرير المتضمن لمعلومات تشير إلى وجود يورانيوم مخصب فى مصر، وتحديدًا فى مفاعل أنشاص، ستعلنه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع ذلك نشرته بعض وسائل الإعلام، ومنها للأسف وسائل إعلام مصرية، نشرته بغباء وسوء تقدير للأمور، أدى إلى وجود انطباع لدى البعض فى المحيطين الدولى والإقليمى، أن مصر تعترف بوجود خلفيات وراء العثور على اليورانيوم، خاصة أن النشر جاء فى بعض وسائل الإعلام ذات المكانة والقريبة من الرسمية. أيضا أعطى النشر الفرصة لإسرائيل وبعض الجهات أن ترفع نغمة التهديد لمصر والضغط عليها لمواقفها الثابتة بشأن قضية فلسطين وقضايا الأمن القومى العربى، خاصة أن مصر تتبنى موقفًا مبدئيًا بشأن إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وهى المبادرة التى لا يكل الرئيس مبارك من الدعوة لها والمناداة بها فى مختلف المحافل الدولية والإقليمية. لقد صرح المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية بأن الوكالة الدولية تأكدت من خلو مصر من آثار اليورانيوم المخصب، وأن جزيئات اليورانيوم التى عثر عليها ناتجة عن استقدام حاويات مشعة من الخارج، وأعرب المتحدث باسم الخارجية عن دهشته أن تتمكن صحيفة أو وسيلة إعلامية من الحصول على معلومات ضمن تقرير سينشر فى يونيو القادم، وهو ما يثير علامات الاستفهام حول دوافع البعض من تسريب مثل هذه الأمور. ويعبر كلام المتحدث الرسمى عن رأى عام مصرى يتساءل عن مدى فهم بعض المسؤولين عن النشر لدورهم الذى لا ينفصل بأى حال عن منظومة حماية الأمن القومى، فى ظل ظروف إقليمية متوترة وغير مستقرة. إن النشر وإثارة البلبلة حول هذا الموضوع يضعان مصر فى خانة الدفاع والتبرير وهو أمر لم تكن مصر مضطرة له، حيث إنها تمارس الشفافية وتنسق مع الوكالة الدولية فى إطار القواعد المطبقة، كما أنها التى تقود عملية إخلاء المنطقة من السلاح النووى، وتطارد إسرائيل فى كل المحافل الدولية حتى تنزع أسلحتها الذرية وتوقع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية والتى وقعتها مصر فى بداية الثمانينيات. لقد انشغل المصريون بما فيه الكفاية بالعلاوة الاجتماعية وبأنفلونزا الخنازير وبغير ذلك من القضايا التى تمس تفاصيل الحياة اليومية وأعباءها، وجاء موضوع اليورانيوم ليشغلنا بقضية الأمن القومى، التى نرجو أن يعى الجميع أبعادها، وأن يشفى البعض من مسألة عدم الفهم، وأن يحرص البعض على أن يتعلم بعض السياسة حتى لا يضر بالمصالح العليا للدولة.