أتقلب بين صقيع غربة وبركان شوق.. يستأثر بى الحنين.. تستنفر الذكريات الراقدة فى زوايا الأمس.. تستأسد الوحدة .. يفترس زئيرها صمت الليل.. أعتكف فى خلوة الحلم.. أستشرف لحظات الوصل.. أتضرّع.. أستعطف ثمّة بشرى.. يتراءى لى طيفك.. يتسلل دفئاً بين شريان ووريد.. أحمله فى دمى.. أفرد له أروقة الوجدان.. ينتفض النبض المتعب.. تتجلى سيّداً يكبح جماح الخوف.. يطلقنى روحاً من زنزانة جسدى.. يعتقنى من عبودية الجهل.. يحررنى من الخرافة والكيد.. يروّض نزقى.. تمردى.. ثورتى.. جنونى المشتعل بنار العقل.. ينتشلنى من هوس الواقع.. نستقى أنخاب الطهر.. نعزف أنغام الغد على قيثارة الأمل.. تلفّنا إشراقة فجر جديد.. نضىء ليل الحائرين ودروب التائهين.. تزرعنى زهرة نرجس بين ضلوعك المرتوية أماناً.. يمامة تغفو على كفيك المخضبتين حناناً.. توقظنى أصداء صيحات تتعالى.. تخترق السكون.. استغاثات رجال تشقّ عنان الروح وأنين يمزق نياط الكرامة.. أنطلق وحيدة أتوارى دون أن يرانى.. لا أريد أن يشهد جرح رجولة.. طعن أنوثة وخدش حياء.. تأخذنى الصيحات هناك حيث زليخا تبعث بيوسف حين أبى مراودتها إلى غياهب سجن.. كليوباترا تخدع أنطونيو .. وشجرة الدر تحرض على قتل زوجها.. هنا وهناك وأسلحة بيضاء وأكياس سوداء تتخايل بين الرغبة والغيرة على أيدى القوارير.. عنف جسدى.. قتل وإهانات.. ضرب وصفع كرامة أمام الأبناء والآخرين.. رجولة تُقهر وتُذبح على خشبة الضعف وانعدام تكافؤ عمرى وعاطفى.. اجتماعى وجنسى.. قصص وحكايات فوق الخيال.. زوجة تصب الزيت على زوجها بعد تقييده.. وأخرى لا يحلو لها الليل إلا حين تتصاعد توسلاته متحشرجة فى حنجرة رجولته.. قاتلات من جميع المستويات بدءاً من ربات البيوت إلى سيدات المجتمع الراقى.. إحصائيات مرعبة، وسجون تكتظ، واعتداءات تُشهر فى أقسام الشرطة وأخرى تنزوى خجلاً.. جمعيات تُستحدث للدفاع عن حقوق رجال تغتصبها نساء.. ونداءات تطالب بالحد من هذه المهزلة المدمرة للأسرة والمجتمع.. شخصيات مريضة ونفوس ملوثة وشريحة من نساء لم يردعهن دين أو أمومة.. حالات شاذة أفرزتها المرحلة الحبلى بالقهر والمعاناة.. وأسئلة تقفز حائرة إلى أذهان العقلاء: لِمَ ولماذا هذا العنف المتبادل عند هؤلاء وقد خلقهما الله سكنا لبعضهما؟ فأين السكينة وأين الرحمة، وما الذى يستفز تلك الرقة الفطرية لتستحيل وحشاً كاسراً؟ وكيف لرجل وامرأة أن يستمرئا العنف ويمارساه لو لم يكن هناك خلل نفسى فى التركيبة التربوية والنشأة غير السوية لكليهما؟! أحداث متصلة، أهمها العنف المعنوى والاستبداد الذى يمارس ضد الرجال من أصحاب الشأن فى العمل وغيره، يصل ذروته حين تتلقفه زوجة متسلطة مسيطرة بوجه شمعى وأفٍ سمجة وقائمة ضروريات لا يحتملها كاهله. غربة داخل الذات فى مجتمع يعج بالمتناقضات والعقبات.. إحباط وحرمان يجعل كلاً منهما يبحث عن نصفه الآخر ليجده مكملا لحلقات العنف. وليجد أن الشهد أصبح علقماً.. الحقوق الشرعية سراباً.. جمال الأمس وهماً.. الهمس صراخاً.. والرومانسية دُفنت فى تراب المعايرة.. أعود أدراجى .. أبحث عن كينونتى .. أغرق فى موجات عطر تراثى ينبعث من قصر مشيد على صدر الرضا.. مضاء بشموع الجمال وشجى الهمس.. تزينه غادة تدعى شهرزاد.. تتلاعب بكلمات لؤلؤية تنطلق من فم مزروع بالجوهر.. تزفّها نظرات ملائكية تتوحد مع عقل شهريار وعواطفه.. تحيل سيفه الجائع لاجتثاث الأعناق غصن سلام.. والليلة إلى ألف ليلة وليلة.. وشهرزاد إلى ألف امرأة وامرأة.