سيد قطب علامة بارزة فى التاريخ المصرى الحديث انتهت حياته نهاية مأساوية بحبل المشنقة بعد محاكمة عسكرية، قضاتها لا يعرفون شيئاً عن الفكر والثقافة والتاريخ، فحكمت بإعدام مفكر وناقد كبير ترك عدداً كبيراً من المقالات وبعض الروايات وديواناً شعرياً وكتاباً فى مناهج النقد الأدبى، ثم فى النهاية نُشر كتاباه الشهيران «فى ظلال القرآن» و«معالم فى الطريق». سيد قطب ولد فى نفس العام الذى ولد فيه حسن البنا وعاش حوالى ثلاثين عاماً بعد تكوين جماعة الإخوان المسلمين وهو غير منضم إليها وكان فى هذا الوقت نجماً ساطعاً فى النقد الأدبى والفنى، ومصلحاً اجتماعياً عن طريق مقالاته عن مشاكل مصر الاجتماعية، وقد تغيرت أفكاره وانضم للإخوان المسلمين بعد أن تخطى الخمسين من عمره. شخصية سيد قطب جذبت الكثير من الباحثين المصريين والأجانب، فكتب عنه الكثير وقد أثار انتباهى لهذه الشخصية بالغة الأهمية كتاب قرأته منذ سنوات بعيدة لسليمان فياض يحكى فيه عن مقابلة طويلة فى منزل سيد قطب فى حلوان، وهو قريب من بيت سليمان، وكانت هذه بداية الفترة التى تحول فيها إلى الفكر الإسلامى الراديكالى. سيد قطب تحدث عن سنواته الأولى فى القرية فى كتاب نُشر عام 1945، وفى المقدمة أهدى الكتاب إلى طه حسين، والكتاب سيرة ذاتية لطفولته فى قرية مصرية، ثم نشر مقالات فى النقد الأدبى، وكان هو أول من نقد نجيب محفوظ فى رواية «خان الخليلى» وقال: «أرجو ألا تكون هذه الكلمات مثيرة لغرور المؤلف الشاب الذى سوف يكون قصاص مصر فى القصة الطويلة»، ونشر محاولات قصصية وشعرية وكتاباً عن التصوير الفنى فى القرآن، كانت مقالات قطب تحمل رسالة اجتماعية تطالب بالعدل الاجتماعى وتقريب الفوارق بين الطبقات وذلك بفرض ضرائب تصاعدية، وتفعيل قانون النقابات وقانون عقد العمل، وتحديد حد أدنى للأجور وحد أقصى لساعات العمل، وتعديل قانون إصابات العمل، وتحدث عن أزمة الزواج، وبالمناسبة عاش سيد قطب عازفاً عن الزواج طيلة عمره، وتتحدث كتبه عن فتاة صغيرة وهو فى المدرسة فى القرية شعر بعاطفة نحوها، وفتاة أخرى فى المدينة وهو شاب ولكن لم يتم مشروع الزواج. يقول قطب إن القراءة ومشاهدة الصور ومتاحف التماثيل والهوايات المختلفة تلبى الغرائز والمواهب وتنميها فترتفع بها وتزكيها، ويقول إن وسائل التثقيف العامة من صحافة وإذاعة وسينما ومسرح تشعر الفرد بقيمة الوقت بدلاً من التسكع فى الطرقات والجلوس على المقاهى ومشاهدة التافه من الأفلام. ويتكلم عن المدنية الأوروبية فيقول: من الخطأ والتعنت إهمال أثرها وأبعاده فى محيطنا المصرى، فذلك جهد ضائع وتفكير غير مستقيم، ولكن ينبغى أن نهضمها ونحيلها دماً مصرياً خالصاً، فالحضارات نتاج إنسانى، ويقول قطب: ومصر الإسلامية قامت على مصر الفرعونية لم تنس أديانها وتقاليدها القديمة ومن هنا بدأنا فهم بعض التعاليم الإسلامية، فالدين فى وهمنا لا يناسب المسرح والبهجة، ولا يتفق مع الاحتفال بالحياة والتهيؤ لها والاعتداد بها ولكنا لا نلقى بالاً إلى قول القرآن «ولا تنس نصيبك من الدنيا». وفى الدين الإسلامى يقول نحن نظلم الإسلام ونشوه غايته الكبرى حين تقف غايته على إعداد الناس للآخرة، ويقول: إن الشعب المصرى متدين بطبيعته من عهد الفراعنة على اختلاف الأديان التى اعتنقها، والتى أخلص لكل منها فى حينه. يقول قطب: إن الرجل الذى يدرك جمال هذه الحياة فيتطلع إليها فى زرقة السماء وطلعة القمر البهيجة وسكوت الليل الرهيب، ويتسمعه فى دوى الرعود ونفحات النسيم وهمهمة الموج على الشطآن والنهر المنساب، ويعجب به فى الوجه الصبوح والصوت الحنون، إن هذا الرجل الأعمر قلباً بالإيمان وأقرب نفساً إلى الله. ماذا حدث وكيف انضم سيد قطب إلى الإخوان بعد تعدى مرحلة النضوج الفكرى والفنى، وكيف غير بوصلة تفكيره واعتبر كما قال أن أربعة عقود من القراءة والكتابة كأنها لم تكن، وأنه وجد كل شىء فى القرآن الكريم. هناك تفسيرات كثيرة لتغيير مساره وربما أهمها أن هزيمة الوطن والديكتاتورية العنيفة وفشل الحكومات المتتالية فى إحداث تنمية حقيقية فى الوطن أدت إلى انتشار التيار السلفى.