فى الدول المحترمة، التى تقدر قيمة الوقت وأهمية الإنسان والبيئة، تُقاس مدى كفاءة مديرى الهيئات والشركات، والوزراء والمحافظين، أو من يماثلهم، بمدى قدرتهم على التعامل مع الأزمات والكوارث المختلفة، بل يشترط فيهم أن يكونوا مؤهلين علمياً وعمليا فى مجال إدارة الأزمات، بل إن بعض الدول تُدرس إدارة الأزمات فى المدارس، وفى المراحل التعليمية المختلفة. »إدارة الأزمات»، ذلك العلم الذى نتعامل معه فى مصر بمنطق «كله تمام» و»ربنا يستر»، استقر الخبراء والمتخصصون فيه على أن التعامل مع الأزمة يتم من خلال ثلاث مراحل أساسية، أولها التوقع والترصد والتدخل بالتعامل مع جذور الأزمة، والأسباب التى قد تؤدى إلى وقوعها، ومنعها قبل حدوثها. أما المرحلة الثانية، فهى التعامل مع الأزمة حال وقوعها، ومحاولة تقليل الخسائر والآثار السلبية الناتجة عنها، وهنا تنص بديهيات «إدارة الأزمات» على الاعتراف بوقوع الأزمة، أو المشكلة والكارثة، وتوفير المعلومات الكافية عنها، بكل شفافية وموضوعية، لضمان تجاوب الجهات والأطراف المعنية كافة بإدارة الأزمة، بما فى ذلك المواطنون، وهو ما يؤثر فى تقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن، وليس بأسلوب «رد الفعل» أى التعامل وقد وقعت الفأس فى الرأس. وتأتى المرحلة الثالثة والأخيرة، وهى تقييم أداء الجهات والأطراف المختلفة أثناء الأزمة، والخروج بالدروس المستفادة منها، ووضع هذه الدروس فى شكل آليات وسياسات تنفيذية، تشكل خطة استراتيجية لمواجهة الأزمات فى كل قطاع، بل فى كل مؤسسة على حدة، سواء كانت مستشفى أو مصنعا أو مدرسة أو شركة أو أو مولا تجاريا أو حتى دور عبادة، ويتم تجريب هذه الخطط بشكل دورى عن طريق المحاكاة، وليس بعمل تقارير على الورق، تفيد بإجراء تجارب، ونجاحها، وهو ما يتطلب متابعة دورية ووضع حالات طارئة لقياس مدى القدرة على التعامل مع الأزمات وفى زمن قياسى. أصبحت الأزمات والكوارث جزءًا لا يتجزأ من شخصية المواطن المصرى، ما بين أزمة توفير متطلبات الحياة الأساسية، إلى أبسط الأشياء، وهى وصوله إلى عمله فى وقته دون تأخير أو «تكدير» من مديريه، وصولاً إلى الأزمات ذات النطاق الأوسع، والتى تضم مأكله ومشربه والهواء الذى يستنشقه، والأزمات المالية على المستويين المحلى والدولى، وهو ما يتطلب سرعة التأكيد على مرور المسؤولين باختبارات أو حصولهم على شهادات معتمدة - وأشدد هنا على كلمة «معتمدة» - فى إدارة الأزمات، والتأكيد على وجود فرق إدارة أزمات «حقيقية» فى كل المؤسسات، بل كان علينا أن نفكر مع زيادة الأزمات المتلاحقة، أن نسرع بتشكيل وزارة للأزمات والكوارث، ولا نكتفى ببعض الإدارات - التى تحمل الاسم فقط - هنا أو هناك. فى 22 يوليو الماضى طالعتنا وسائل الإعلام المختلفة بعناوين لأزمة جديدة، وقعت فى قرية «البرادعة» بمحافظة القليوبية، والتى اشتهرت إعلامياً باسم «قرية التيفود»، وكان أول التقارير يشير إلى إصابة 55 من «البرادعة» و«الخرقانية» بالتيفود، وكان «رد الفعل» ما قررته محافظة القليوبية من إزالة 38 طلمبة فى القريتين، وهو ما كان يفترض حدوثه من عشرات السنين إذا كانت هناك متابعة دورية فعلية على القرى، وليس من خلال كتابة التقارير «المكتبية». وتم نقل المصابين إلى مستشفى «حميات قليوب»، والتى «تضطر إلى عدم استقبال حالات من المصابين لعدم وجود أسرة خالية لهم، حيث إن القوة الفعلية تستوعب 60 مريضاً»، وفقا لما ذكره أحد أطباء المستشفى فى تصريحات ل»المصرى اليوم»، أى أن المستشفى الوحيد القريب من القرية يعانى هو الآخر من أزمة تخطيط وإمكانيات. كما طالب المستشار عدلى حسين، محافظ القليوبية، مسؤولى مشروع شبكة مياه الشرب بقرية البرادعة، ووكيل وزارة الصحة، بإعداد تقرير يومى عن حالة مياه الشرب بجميع قرى المحافظة، وليس البرادعة فقط، فى اليوم السابع من وقوع الأزمة، وهو ما كان يجب توافره فى الأصل إذا كنا نتبع أسلوبا علميا محترما فى إدارة الأزمات، والذى يقضى بتوفير هذا النوع من التقارير بصفة دورية لتعين متخذ القرار على اتخاذ قرار صائب وقت الأزمة. وفى أول أغسطس الماضى، أعلنت نجوى العشيرى، رئيس مدينة القناطر الخيرية فى القليوبية، عن قطع المياه عن قرية البرادعة، مطالبة المواطنين بالتوقف عن استخدام المياه لحين إصلاح الأعطال، وهو قرار يدل على التأخر والبطء الشديد فى اتخاذ قرار كان يجب اتخاذه منذ الوهلة الأولى لحدوث الأزمة. أكتفى هنا بذكر بعض المعلومات من سياق سيناريو إدارة أزمة «البرادعة»، والتى تصل إلى نتيجة واحدة إذا أخضعناها للمعايير العلمية المعتمدة فى إدارة الأزمات، وهى أنه فى «أزمة البرادعة» لم ينجح أحد. [email protected]