هذه معركة جرت حول مهمة المجمع اللغوى بدأها طه حسين بآراء عرض فيها لعمل المجامع بمناسبة قرب دخوله مجمع اللغة الذى أنشئ فى مصر عام 1931م وظل طه حسين بعيداً عنه، وما إن سجل طه حسين آراءه فى شكل مقالات حتى وقف له معارضاً الدكتور منصور فهمى ثم ما لبث أن انضم إليه إسماعيل مظهر، وقد خلصت المناظرات الدائرة بين ثلاثتهم إلى أن مهمة المجمع اللغوى المصرى تختلف بالضرورة عن مثيله «الفرنسى» وفى سياق المعركة قال طه حسين: «إنها لكارثة كبرى أن يكلف مثلى بوضع الاصطلاحات فى الطب والطبيعة والفنون العملية المختلفة فمن العبث إذن أن يكلف المجمع بوضع الاصطلاحات أو إضاعة وقته فيها كما أن هناك مسألة اللهجات فليس المجمع مدرسة وإنما تدرس اللهجات فى معاهد خاصة تلحق بالجامعات وبكليات الآداب وما أعرف مثلاً أن المجمع الفرنسى قد عنى فى يوم من الأيام باللهجات بل هو يحاربها لأن عمله الأول إنما هو الاحتفاظ ببقاء اللغة وصقلها». ورد عليه الدكتور منصور فهمى قائلاً إن وضع المصطلحات من صميم عمل المجامع فأعضاؤه ليسوا لغويين فحسب فلما انضم إسماعيل مظهر للمعركة كتب فى الأهرام فى مارس 1937م ضرب القاصمة بقوله إن أحد الواجبات الرئيسية للمجمع هو ضبط المصطلح، وعاد الدكتور منصور فهمى ليؤكد أن تعريب المصطلحات الأجنبية من إحدى المهام الرئيسية للمجمع، فرد طه حسين مهاجماً المجمع نفسه قائلاً إنه أنشئ على عجل.. وننشر نماذج ثلاثة لنص هذه المساجلة ثلاثية الأبعاد. طه حسين: أنشئ على عجل الدكتور منصور فهمى أعلم بشؤون المجامع اللغوية من أن يحتاج إلى أن أنبه إلى أن هذه المجامع ليس من شأنها ولا ينبغى أن يكون من شأنها ولم تزعم قط أن من شأنها وضع اصطلاحات العلوم والفنون وإنما هى تسجل من ذلك ما يصنعه العلماء وأصحاب الفن إذا لاءم اللغة وفرضه الاستعمال. مازلت أقول وسأقول دائماً وسيقول المثقفون الفرنسيون معى دائماً إن المجمع اللغوى الفرنسى يضحك الناس من نفسه لو أنه انصرف إلى وضع الاصطلاحات فى العناية بصفاء اللغة ونقائها، فالعلماء وحدهم هم الذين يضعون اصطلاحاتهم وألفاظهم الخاصة، وما ينبغى لغيرهم أن يتطفل عليهم أو يشاركهم فى تسمية ما لا يتقنه من معانى العلم واصطلاحاته. إن الأمور تقلب أوضاعها فى مصر فنحن نريد أن يذهب الأطباء إلى أعضاء المجمع اللغوى يلتمسون منهم الأسماء لمعانى الطب التى لا يحسنونها ولعلهم لا يعرفون عنها قليلاً ولا كثيراً على حين يذهب أعضاء المجمع اللغوى الفرنسى إلى الأطباء يسألونهم عن معانى الكلمات الطبية التى يفرضها الاستعمال، والتى يحتاج إلى أن تأخذ مكانها فى المجمع اللغوى. إن المجمع الفرنسى لا ينظم لجانه على هذا النحو المصرى الطريف الذى يفرض فيه الخبراء فرضاً، لأن المجمع الفرنسى لا يكلف نفسه ولا يكلف أحداً ما لا يطيق من وضع الاصطلاحات العلمية. ولو قد كلفه أحد ذلك لرفضه لأنه يرفع نفسه عن العرض لما لا يحسن. واللهجات إن حديثها للعجب، ماذا يراد من مجمعنا اللغوى أن يصنع بل وكيف يكون درسه لها وقوله فيها. إننى أحقق أن الذين يفرضون على مجتمعنا درس اللهجات لم يصوروا لأنفسهم هذا الموضوع تصويراً واضحاً. إسماعيل مظهر: حارس اللغة لأول وهلة أدركت أن الأستاذ «طه حسين» يحاول أن يثبت أن لمجامع اللغة طبيعة واحدة لا تختلف باختلاف الشعوب واللغات وظروف الأحوال فمضى يطبق القواعد التى يجرى عليها مجمع اللغة الفرنسى مثلا على ما يجب أن يكون لمجمع اللغة العربية، كأن الطبيعة والتاريخ لا حساب لهما فى قياس الفارق بين اللغتين «اللغة العربية واللغة الفرنسية» وحال الشعبين. «أما ما ذكره» من أن المجامع اللغوية لا شأن لها بوضع المصطلحات العلمية، وأخذه المثل على ذلك من المجمع الفرنسى ووضع بذلك مقياسا على الفارق البعيد والبعيد جداً فلا جدال إطلاقا من أن المجمع اللغوى الفرنسى لن يقبل كلمة واحدة أو اصطلاحا يضعه عالم من العلماء أو مؤلف من المؤلفين ما لم ينطبق على القواعد المرعية فى اللغة الفرنسية أولاً أو فى اللغتين اليونانية واللاتينية إذا كان المصطلح منهما، وإذا جاز هذا فإن ذلك يكون بمثابة حكم بالإعدام على المجمع، يوقعه أعضاؤه على أنفسهم، فالمجمع الفرنسى يجيز المصطلحات الحديثة متى كانت صحيحة مطابقة لقواعد اللغة التى تؤخذ منها. إن طبيعة لغتنا والظرف القائم بيننا يجعل من أوليات المهام التى يجب أن يباشرها مجمع اللغة العربية النظر فى وضع المصطلحات العربية الصحيحة مع الاستعانة بأهل الذكر من العلماء الذين هم على استعداد للتضحية فى سبيل اللغة، لا أهل الذكر الذين يضنون على المجمع بجهودهم وكثير ما هم أهل الذكر الذين يستطيعون التأليف باللغة العربية ولا يستكبرون أن تصحح لغتهم أو مصطلحاتهم التى يستعملونها إسرافاً بالأخذ من الأصول الأعجمية بغير حساب. منصور فهمى: يضبط المصطلحات إن وضع المصطلحات العلمية من صميم عمل المجامع، وأعضاء المجمع ليسوا لغويين فحسب، وإنما منهم من اختص أيضا بعلوم غير علوم اللغة فعند اتصال بعضهم بالبعض الآخر ثمرة طيبة تعين على وضع مصطلحات علمية موقعة فى مختلف نواحى العلوم والفنون. 1- أخالف الدكتور طه فى رأيه بأن الأكاديمية الفرنسية لو عنيت بوضع الاصطلاحات للعلوم والفنون لكانت موضع سخرية الفرنسيين جميعا. وهل يسخر أحد حين يعلم أن جماعة من أهل اللغة يضعون اصطلاحات لما يرتجل ارتجالا تكون أوفق لروح اللغة، وقد يستساغ بعضها وقد يصقل الاستعمال البعض الآخر. ولا أظن أن الدكتور طه حسين حين يستفهم ويقول نصاً «أى أعضاء المجمع» يستطيع أن يضع الأسماء لأى آلة من الآلات المستحدثة التى لا عهد للعرب بها يحسب أن كاتبا من الكتاب يرضى أن يستخدم كلمتى «فرملة» أو «دريكسون» اللتين يستخدمهما عامل السيارة فى حين أن أدباء المجمع بل وكل أديب بل وكل من له إلمام يسير باللغة يجد لهاتين اللفظتين من لغة العرب ما يناسب ذوقها وذوق الناس. 2- ما قولكم فى دراسة اللهجات التى تعرض لها الدكتور طه حسين أما اللهجات فنعلم أن دراستها قد تعين على معرفة معنى الكلمة على وجهها الصحيح، فغير قليل من الكلمات قد تستخدم من ناحية أو فى عدة نواح من البلاد العربية لمعنى من المعانى وأن العناية بمعرفة هذه الألفاظ ومعانيها قد تعين على وضع كثير من المعانى والألفاظ موضعها الصحيح الأوفق، فضلا عن أن اللهجات لم تخرج عن أنها جزء من تاريخ اللغة وتطورها، ومن أراد أن يزيد رسوخا فى اللغة فليس له أن يهمل أجزاء تاريخها، زد على هذا أن البلاد العربية قد تعددت لهجاتها لدرجة الصعوبة فى التفاهم أحياناً، وأنه من أمل مجمع اللغة المصرى أن يكون لمصر مركز ممتاز بين العرب.