طالعتنا مجلة «المصور» فى عدد سابق بالكمبيوتر بتحقيق صحفى خطير فى حوار مع أحد رجال الأعمال يكشف عن مؤامرة للاستيلاء على الأرض المخصصة بقرار جمهورى لبناء أول محطة نووية على الساحل الشمالى بادعاء تحويلها إلى منتجع سياحى، وكأن عشرات القرى المنشأة على ما يقرب من خمسمائة كيلو متر ولا تستخدم سوى شهرين أو ثلاثة كل عام لا تكفى لسياحة الصيف فى سبيل إجهاض البرنامج النووى الذى طال انتظاره بعد تخلف مصر فى المجال النووى أكثر من عشرين عاماً، وقد أثار دهشتى آراء السيد رجل الأعمال فى محاولة لتبرير هذه الجريمة بمجموعة من الأقاويل فى قضية ذات خصائص فنية معقدة لا يتحدث فيها إلا المتخصصون بل وليس كل المتخصصين فضلاً عن كونها قضية أمن قومى ذات آثار اقتصادية خطيرة.. واللافت للنظر أن سيادة رجل الأعمال يوصف بأنه «رئيس مجلس أمناء الاستثمار فى مطروح»، وهو بهذه الصفة كان ينبغى أن يدرك أهمية المشروع وحتمية حيازة محطة نووية، مع أن هذا المشروع سوف ينعش الساحل الشمالى سياحياً وليس هو تدميراً لهذا الساحل كما يدعى، وكان لابد من التصدى لمحاولة إجهاض الحلم النووى من خلال حوار هادئ يستند على أسس علمية واقتصادية، ذلك أن الطاقة تعتبر إحدى الدعائم الرئيسية التى تقوم عليها برامج التنمية فى جميع أشكالها. خاصة أن مصر تعتمد على الوقود الأحفورى، وأن هذه المصادر التقليدية من البترول والغاز ستنضب فى غضون عشرين إلى ثلاثين عاماً، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى أحب أن ألفت نظر السيد رجل الأعمال إلى أن تخوفه من الآثار البيئية وقول سيادته: «لو أن حادثا مثل تشيرنوبل وقع فإنه سيقضى تماما على القاهرة، وطبعاً الساحل الشمالى كله».. أود أن أنوه بحقيقة لا يدركها سيادة رجل الأعمال، وهى أن حادث تشيرنوبل الذى وقع عام 1986 فى الاتحاد السوفيتى، وحادث «ثرى مايل آيلاند» الذى وقع فى أمريكا عام 1979، والدروس المستخلصة منهما قد أدت إلى إرساء معايير جديدة فى إطار أمان المفاعلات وجودة التصميم والتصنيع. الأمر الذى نتج عنه بناء أجيال جديدة من المفاعلات وصفت بأنها متأصلة الأمان تتضمن تحسينات تصميمية، وارتفع مستوى الأمان إلى حد لو أن حادثاً وقع فإن المفاعل سيتوقف ذاتياً دون تدخل المشغلين.. وتأسيساً على ذلك صار الوضع العالمى للطاقة النووية على النحو التالى: 16٪ من الاحتياجات العالمية للطاقة يتم توليدها من 443 مفاعلاً فى 32 دولة، منها 146 مفاعلاً فى دول غرب أوروبا، و106 مفاعلات فى أمريكا «ربع مفاعلات العالم»، أما الهند التى بدأت برنامجها النووى مع مصر فى الخمسينيات فلديها أكثر من عشر محطات نووية، وعدد آخر تحت الإنشاء، يذكر أنه بسبب التطور فى الصناعة النووية دخلت شبكات الكهرباء فى دول العالم أكثر من 20000 «عشرين ألف» ميجاوات منذ عام 2000. أعود الآن إلى بعض الأقوال المغلوطة للسيد رجل الأعمال، حيث يؤكد «..أنه لا يمكن إطلاقا أن نقضى على مستقبل الساحل الشمالى السياحى مقابل توريد 2 أو 3 أو 4 ميجا من الكهرباء»، كلام ليس له معنى علمى، فإذا كان يتحدث عن قدرة المحطة النووية فهى فى المعتاد 1000 «ألف» ميجاوات ويقول فى نفس السياق: «المشروع لا يتعدى توليد شوية كهرباء»، وهذا الكلام من قبيل التهكم، لأنه فرغ من المضمون، لا يوجد فى مجال الطاقة تعبير «شوية كهرباء»، الأدهى من ذلك أن يصف حماس الخبراء المصريين الذين يتكلمون عن مستقبل الطاقة فى مصر ساخراً: «إن ردود الفعل التى رأيناها لدى البعض من الذين تصوروا أننا داخلون العصر النووى وحنفرتك الدنيا نوويا»، فهو يهبط بالحوار فى قضية جادة إلى أدنى المستويات! خاصة أن مصر كانت من أولى الدول التى دخلت المجال النووى «فى أوائل الخمسينيات» عندما افتتح الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مؤسسة الطاقة الذرية فى إنشاص فى عام 1959، التى اتسع نشاطها وتزايدت إمكاناتها للتحول فى عام 1991 إلى هيئة الطاقة الذرية التى تتكون من أربعة مراكز للبحوث النووية، كما انبثقت عنها هيئة المواد النووية المعنية بالتنقيب عن اليورانيوم، وهيئة المحطات النووية صاحبة المشروع، حيث تم تخصيص موقع الضبعة لهيئة المحطات النووية عام 1981 لإنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر. ويصل تحدى رجل الأعمال قمته باعترافه بجريمة الاعتداء على أرض الضبعة، وأنه حصل على موافقة محافظ مطروح بإقامة مشروع سياحى يتضمن خمسة فنادق علاوة على فندق آخر تم بناؤه فعلاً، ويدعى أنه يعمل اثنى عشر شهراً فى السنة دون أن يتحرك أى مسؤول للحفاظ على أرض الضبعة، وإمعاناً من رجل الأعمال فى التحدى يعلن فى حواره المثير: «أن مشروع الضبعة ليس مشروعاً نووياً».. وإننى أتساءل: «إذا لم يكن نووياً فماذا يكون بالله عليك وهو يتعلق ببناء أول محطة نووية لسد احتياجات الطاقة فى بلدنا الحبيب مصر؟». فى النهاية، أناشد مسؤولى الدولة على أعلى مستوى التدخل لإيقاف هذه المهزلة الكبرى لإهدار الحلم النووى الذى طال انتظاره. أستاذ متفرغ بقسم الضمانات النووية بالمركز القومى للأمان النووى