خيوط كثيرة تتجمع لتصنع اسم الكاتب «ستيفن كنج»، فهو أديب يتمرد على شهرته كملك لروايات الرعب والإثارة ليقدم روايات درامية، ممثل يظهر فى أدوار صغيرة سواء فى أفلام مأخوذة عن رواياته أو مجاملة لأصحابه، وأحيانا يكتفى بالظهور بصوته فى بعض الأفلام، متخصص فى رسم الملامح العامة للشخصيات السينمائية فى أفلام الانيميشن، وإذا تطلب الامر يدرس الإخراج حتى يتمكن من تحويل قصصه إلى أفلام ومسلسلات. ستيفن كنج واحد من أشهر كتاب الأدب الأمريكى المعاصر وحصل عام 2003 على ميدالية مؤسسة الكتاب القومية لإسهاماته فى الأدب الأمريكى. احتفل هذا العام بمرور 50 عاما على اتجاهه للكتابة، التى بدأها منذ كان عمره 12 سنة ورغم أنها سن صغيرة، فإن حياة كنج اشبه بالروايات، فعندما كان عمره سنتين خرج أبوه بحجة شراء علبة سجائر ولم يعد للمنزل تاركا الأم تتحمل مسؤولية طفلين وتتنقل بهما من منزل لآخر ومن ولاية لأخرى حتى عادوا للاستقرار فى ولاية ماين. ذاق الطفل «كنج» مرارة الفقر وكان يقضى أوقاتا طويلة فى البحث عن مجلات الرعب الرخيصة حتى يشبع نهمه للقراءة حتى إنه كان يشاهد أفلام الرعب ويعيد كتابتها ويبيعها لأصدقائه فى المدرسة وعندما عرف المدرسون أجبروه على إعادة النقود لأصحابها وعدم تكرار هذا الموقف، واتجه كنج بعد ذلك إلى كتابة الموضوعات والقصص القصيرة لمجلات المدرسة، وبعد التحاقه بجامعة ماين لدراسة الأدب الإنجليزى وحتى أثناء عمله كمدرس فى الجامعة نفسها كان يكتب القصص التى تنشر بشكل دورى فى مجلة مين، والتى بدأها عام 1967 بقصة the glass floor، وفى مطلع السبعينيات تزوج من تابيثا كنج زميلته فى الجامعة (والتى أصبحت فيما بعد مؤلفة وصدر لها سبع روايات) كما أنه اتخذ قرارا بترك الجامعة والتفرغ للكتابة، وبالفعل أصدر عام 1973 أول رواية طويلة باسم كارى وكانت تدور حول فتاة مضطربة عقليا لكنها تمتلك قدرات خاصة. وعلى الرغم من أن الرواية لم تحقق نجاحا مبهرا فإنها فتحت الباب لستيفن كنج ليقدم عدداً من الروايات الطويلة والتى تعد الأشهر فى تاريخه مثل shinning البريق وsalems lot حشد سالم وهما الأقرب حتى اليوم إلى قلب ستيفن كنج، كذلك رواية the stand الوقوف، وهى الروايات التى طرحت اسمه ككاتب متخصص فى كتابة أدب الرعب والظواهر غير الطبيعية. وخلال هذه الفترة بدا كنج فى كتابة سلسلة برج الظلام the dark tower والتى بدا فيها متأثرا برواية الأرض الوسطى ل«تى آر تولكن» حيث العوالم الخيالية وحياة الفرسان فى مزيج بين الرعب والخيال. المثير أن هذه السلسلة استمرت فى الظهور على مدار ثلاثة عقود حتى تم جمعها عام 2004 فى مجموعة تضمنت 7 كتب بعدها تعاقد كنج مع شركة مارفيل على نشر حلقات مصورة من البرج المظلم فى مجلة the gun slinger born التى باعت 200 ألف نسخة فى أول أعدادها. ويعد ستيفن كنج كاتبا غزير الإنتاج ووصل عدد أعماله إلى 350 عملا ما بين قصص قصيرة وروايات حتى إنه فى منتصف الثمانينيات اضطر لنشر بعض قصصه مثل الراكض the running man والغضب the rage باسم مستعار وهو ريتشارد بيكمان حيث كان قانون النشر فى ذلك الوقت يمنع الكاتب من إصدار أكثر من كتاب واحد فى السنة، وهو ما جعله يلجأ لهذه الحيلة ليستطيع إخراج أعماله الكثيرة للنور، فهو لا يستطيع التوقف عن الكتابة والتى يقضى فيها كل وقته منذ استيقاظه وحتى فى الليل، فالأفكار الجيدة لا تلمع فى ذهنه إلا ليلا. المدهش أنه على الرغم من كل كتابات كنج عن الأشباح والظواهر غير الطبيعية فإنه بشكل شخصى لم يتعرض لأى تجربة من هذا النوع لكن عندما يبدأ فى الكتابة فإنه يصبح على اقتناع كامل بأن مثل هذه الاحداث تقع للأشخاص العاديين والذين لا يمتلكون أى مميزات خاصة عن غيرهم وهى السمة المميزة لمعظم أبطال روايات كنج مثل جون كوفى فى رواية Green Mile، بجانب سمة أخرى وهى أن عدداً منهم من شخصياته من الكتاب مثل مورت دينى فى the secret window النافذة السرية وجاك نورانس فى البريق وبول شيلدون فى the misery. واستمر ستيفن كنج فى إنتاجه الغزير حتى عام 1999 حينما تعرض لحادث حيث صدمته شاحنة وأثناء وجوده فى المستشفى أجرى 5 عمليات خلال 10 أيام لكنه خرج فى النهاية بضعف شديد فى العصب البصرى وعدد من الكسور صعبة الالتئام حتى إن مجرد جلوسه لأكثر من 40 دقيقة أصبح مستحيلا، وهو ما جعله يكتب على موقعه الإلكترونى أن هذه الحادثة لن تجعله يتوقف عن الكتابة لكن فقط سيكون بمعدل أبطأ من الماضى وإذا شعر أن ما يكتبه لا يستحق النشر فهذا يعنى انتهاء حالته الإبداعية. المثير أن كنج استغل فترة وجوده فى المستشفى وكتب قصة the plant ونشرها على أحد المواقع مع إمكانية تحميلها مقابل دولار واحد، وقد استطاع تحقيق أرباح وصلت إلى ما يقرب من 2 مليون دولار اشترى بها الشاحنة التى صدمته وأحرقها فى احتفال ضخم قال وقتها إن رؤيتها متفحمة أمامه أراحته نفسيا. وإذا كانت هذه الحادثة أثرت على إنتاج كنج الغزير من القصص إلا أنها لم تحرمه من الدخول فى مشاريع أخرى مثل كتابة عمود فى مجلة انترتانمنت ويكلى والعمل كموديل ارت فى أفلام الانيميشن الشهيرة مثل قصة لعبة وحياة حشرة وشركة المرعبين المحدودة حيث كان مسؤولا عن رسم الملامح العامة للشخصيات، كما أنه بدأ فى استكمال مشاريع الروايات التى لم تكتمل ومنها رواية تحت القبة under the dome والتى صدرت هذا الشهر وهى الرواية التى طالما تحدث عنها كنج لأنه كتبها مرتين فى بداية السبعينيات وبداية الثمانينيات بالفكرة نفسها لكن بمعالجة مختلفة كل مرة، ومع ذلك لم ينشر أى منهما لإحساسه بعدم اكتمالهما فنيا أما هذه المرة فقد أعلن عبر موقعه الإلكترونى أن الرواية اكتملت أخيرا وبنفس الفكرة التى أرادها ولم يستخدم إلا الفصل الأول من معالجة الثمانينيات . وتدور أحداث الرواية داخل مدينة ليستر بولاية ماين الامريكية حيث يجد السكان أنفسهم فجأة معزولين عن العالم داخل المدينة بقوة خفية فلا يستطيع أحد أن يدخل أو يخرج من المدينة، حيث تتحطم الطائرات والسيارات بمجرد وصولها للحدود كما لو كانت المدينة محاطة بقبة، ووسط حالة الذعر تبرز شخصية ديل بربار ليقود مجموعة من السكان فى الخروج من هذا الحصار ويقفون فى مواجهة مجموعة أخرى بقيادة السياسى وزعيم عصابة لتجارة المخدرات جيم رونى والذى يجد فى هذا الموقف خدمة لمصالحه الخاصة. الرواية التى صدرت هذا الأسبوع وبلغ عدد صفحاتها 1500 صفحة حظيت بنقد إيجابى ووصفت بأنها مليئة بالطاقة المؤثرة والممتعة وتحمل صفات كتابات ستيفن كنج، حيث يأتى الرعب من قوة خارقة لا يدرى البشر مصدرها.