ذهب د. أحمد نظيف، رئيس الوزراء، إلى بورسعيد للحوار مع شباب الجامعات فوقف الطالب «بظاظو» قائلاً: «أشعر بالفساد فى كل مكان وبقيت أتنفسه ومش حاسس بمقاومة من جانب الحكومة.. كل يوم الصبح أحس بالغربة.. وإن البلد مش بلدى». د. نظيف رد على «بظاظو» قائلاً: «لو الحكومة فاسدة نبقى كلنا فاسدين».. نحن نبذل جهودًا غير عادية لمقاومة الفساد.. والفساد اللى عندنا منتشر فى حتت صغيرة». أما صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى وأمين عام الحزب الوطنى فقد حرص خلال حواره مع شباب الحزب الوطنى بمعسكرهم بالإسكندرية على التأكيد على أن الحزب وحكومته لن يتسترا على فساد، وأضاف «لن نسمح لفاسد مهما كان وزيرًا أو خفيرًا أن يمارس هواياته فى الفساد ويتلاعب بمقدرات الشعب». كلام نظيف والشريف جميل لكنه لا يتسق بأى حال مع نتيجة الاستطلاع الذى أجراه الحزب الوطنى حول أهم قضية سياسية تشغل المصريين فى الفترة الأخيرة، وحاز «الفساد» المرتبة الأولى فى الاستطلاع.. ولا أعرف إذا كان نظيف يؤكد أن حكومته تبذل جهودًا غير عادية لمقاومة الفساد، والشريف يصمم على أنهم لن يسمحوا لفاسد مهما كان وزيرًا أو خفيرًا بأن يمارس هواياته فى الفساد، فكيف وضع أفراد عينة استطلاع الحزب الوطنى قضية الفساد فى المرتبة الأولى، وإذا كانت الحكومة والحزب يقاومون الفساد بجهود غير عادية فماذا سيكون الحال لو لم يقاوموه كما يزعمون؟! هل الشعب يشعر بالفساد ولا يتابع إنجازات الحكومة فى مقاومته أم أن الشعب المصرى عاطفى، أم أن موضوع الفساد تم بثه من خلال قوى خارجية أو الفضائيات بينما كل الهيئات الحكومية وغير الحكومية شفافة وشريفة وعفيفة وطاهرة؟.. هل الحكومة وحزبها أو «الحزب وحكومته» لا يدركان أن الفساد ينخر فى عظام هذا البلد أم أنهما يعيشان فى أبراج عاجية؟.. ولا أعرف لماذا لا تعلن الحكومة خطة زمنية واضحة للقضاء على هذه الظاهرة بدلاً من نظام دفن الرؤوس فى الرمال. الحكومة كل فترة تعلن عن بعض الإجراءات الوقائية مثل قانون المعلومات الذى لم يصدر بعد وغيرها، بينما لم تحاول أن تقبض على الفاسدين سواء القدامى أم الجدد بل إن الحكومة لا ترد على قضايا الفساد التى تملأ الصحف وتترك الشعب يقرأ ويكوّن عقيدة ويضرب دماغه فى الحيط ثم يخرج رئيس الوزراء ليؤكد أن الحكومة تبذل جهودًا غير عادية فى المقاومة. أعتقد أن الفساد هو الذى يلتهم جهود التنمية وليس زيادة السكان فقط، كما أنه تسبب فى زيادة ظاهرة عدم الانتماء لدى الشباب كما قال «بظاظو» «البلد مش بلدى».. ولا أحد يريد الاعتراف بهذه الحقيقة المرة. زمان كان الوزراء وكبار المسؤولين حريصين على إلحاق أبنائهم بوظائف حكومية لها «برستيج اجتماعى» مثل معيد فى الجامعة.. وكيل نيابة، دبلوماسى.. وكان الفساد، الذى يمارسونه، هو التدخل ب«الواسطة» لتحقيق هذه الرغبات، بعد ذلك مرت مصر بمرحلة يحاول فيها المسؤولون إلحاق أبنائهم بمؤسسات دولية أو مصرية يضمنون فيها حصولهم على رواتب كبيرة مثل الجامعة العربية، الأممالمتحدة وغيرهما، أما الآن فمعظم كبار المسؤولين يفضلون عمل أولادهم وأزواج بناتهم فى «البيزنس».. وتطور الأمر إلى أن يعمل الأبناء فى نفس بيزنس مسؤوليات آبائهم.. وبما أن الحكومة لم تردع هذه الظاهرة التى بدأت منذ سنوات فإنها تزداد يومًا بعد الآخر حتى إن بعض الأبناء تركوا وظائفهم وعملوا فى «البيزنس» ليستفيدوا من نفوذ آبائهم.. والحكومة مازالت نائمة فيما يبدو أن جهود الحكومة فى مواجهة الفساد قد أصابها الفساد.