فعلاً من يُحاكم الحكومة على حوادث القتل التى تحدث على الطرق ويروح ضحيتها أبرياء من المواطنين؟ لم نسمع إلا الرأى العام الذى حاكم ممدوح إسماعيل بتهمة قتل أبرياء العبارة «السلام» لمجرد أنه هو مالك الباخرة المنكوبة.. ورغم أن الرجل اعتبر نفسه واحداً من الضحايا فإن الرأى العام لم يرحمه أو يعترف ببراءته فى محكمة الجنح، وأصر على ملاحقته فى محكمة الاستئناف.. حتى خرج منها بحكم بسجن 7 سنوات.. وبعدها التزم الصمت. هل تحرك الرأى العام ضد الحكومة التى تتسبب كل يوم فى قتل العشرات على الطُرق؟ الحكومة تعترف فى تقرير رسمى عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء بأن حوادث الطرق تقتل 222 شخصاً كل ألف كيلومتر فى مصر، وهذه النسبة تفوق النسب العالمية فى حوادث الطرق بمئات المرات، فإذا قارناها بالمتوسط العالمى نجد أن حوادث القتل فى الخارج لا تزيد على 20 حالة فى كل ألف كيلومتر بينما تصل عندنا إلى 222 حالة وفاة.. ومع ذلك لم يتحرك الرأى العام ولم تتحرك الحكومة. منذ أيام حدثت مأساة على طريق العلمين - وادى النطرون، الذى أصبح معروفاً باسم طريق الموت.. الشاب سامح السادات كان يقود سيارته وبجواره خطيبته الشابة «سرية» محمد صدقى، حفيدة المرحوم الدكتور عبدالرزاق صدقى، وزير الزراعة الأسبق وابنة أستاذ الجامعة الدكتور مهندس محمد صدقى، وإذا بالسيارة تصطدم بمؤخرة مقطورة على الطريق بلا أنوار.. لقد توقفت المقطورة فجأة وسط الطريق لتصطدم بها سيارة الشاب فتكتب له النجاة بعد إصابات متعددة، أما خطيبته «سرية» فتدخل فى غيبوبة، لقد فقدت الوعى رغم أن القلب لم يتوقف، وكالعادة نقلوها إلى مستشفى العلمين أمام البوابة 7 لمارينا، وحاول فريق من الأطباء إعادة الوعى إليها لكنهم فشلوا فنقلوها إلى دار الفؤاد، ومنه بطائرة SOS الهليوكوبتر «الإسعاف الطائر» إلى سويسرا، ولاتزال هناك تعيش ساعات حرجة. أسرة فرض عليها القدر هذا الحادث ويعلم الله كيف دبرت الأسرة مصاريف انتقال ابنتهم العروس إلى سويسرا وهى فى حالة الغيبوبة.. وأب يُصلى ويبكى ويدعو الله أن تخرج زهرته من غيبوبتها.. وأم رافقتها فى محنتها.. والمأساة بسبب إهمال سائق سمح لنفسه بأن يقود مقطورة بلا أنوار خلفية.. إذن من المسؤول عن هذه الكارثة. السائق الذى تحدى قوانين المرور ولم يجد رادعاً يمنعه عن ارتكاب جريمته.. أم الحكومة التى سمحت لمثل هذه المقطورة أو غيرها بالسير بلا أنوار؟ إن هذا الحادث يجرنا إلى حادث مقتل «ريم أباظة» فى صيف العام الماضى.. نفس السيناريو، فقد كانت تجلس بجوار خطيبها وعلى الطريق الصحراوى مطروح - الإسكندرية، وعلى بعد خطوات من منتجع مارينا اصطدمت سيارة خطيبها بإحدى المقطورات بسبب «الشبورة»، فلقيت الشابة الجميلة مصرعها، وبعد أن كانت تستعد لحفل زفافها استقبلت الموت، ليتحول حفل الزفاف إلى مشهد جنائزى خرجت فيه كتل بشرية من الشباب أصدقاء الأسرتين، ويظل ال«فيس بوك» يحمل رسائل التعزية والمواساة فى الجميلة «ريم» حتى اليوم. وحادث آخر راح فيه اللواء محمد الخولى، مدير النقل البرى فى مصر للطيران، حيث كان يقود سيارته على طريق العلمين فى طريقه إلى مارينا مع أسرته وتصطدم سيارته بسيارة نقل على الطريق، فيلقى الأب وابنته مصرعهما على قارعة الطريق. ومع ذلك لم نسمع أن الحكومة تحركت ولو فى فترة الصيف التى تشهد ازدحاماً على الطرق الصحراوية، صحيح أن وزارة النقل منعت اللوريات وعربات النقل من الطريق الصحراوى «مصر - إسكندرية» فى أيام ال«ويك إند».. واكتشفنا أن هذا القرار جاء بتعليمات من رئاسة الحكومة لأن رجال الحكومة فى ال«ويك إند» يذهبون إلى المصايف.. يعنى الحكومة بتخاف على وزرائها.. ولا تخاف على أرواح المواطنين. ومادمنا تحدثنا عن وزارة النقل، تعالوا نتحدث عن «الكوسة» فى هيئة الطرق والكبارى التى تبنت مشروع تطوير الطريق الصحراوى.. لقد استبشرنا خيراً عندما أعلنوا عن تحويل هذا الطريق إلى طريق أوتوستراد، ورصدوا ما يزيد على المليار ونصف المليار جنيه.. بالمناسبة هذا المبلغ يكفى لبناء مدينة سكنية للغلابة الذين يقيمون فى العشش.. ناهيك عن ذلك، اسمعوا ما حدث. فجأة دبت الحيوية على الطريق الصحراوى «مصر - إسكندرية» واكتشفنا أن إعادة سفلتته بالليزر من أجل عيون علية القوم ومعالى رئيس الحكومة لأنهم يسلكون الطريق الصحراوى.. وبعضهم أقام القصور والمنتجعات على هذا الطريق.. وسبحان الله، يرتفع سعر متر الأرض وبعد أن كان جانبا الطريق مهجورين، أصبحا عامرين بوضع اليد.. وبعد أن كانت المساحات تخصص بالفدان أصبح متر الأرض، له ثمن.. فالحكومة لا تعمل من أجل الشعب ولكن كل شىء له ثمن.. وزير الزراعة أعطى تصريحات بالبناء فى الطريق الصحراوى مقابل رسوم رمزية تقوم الوزارة بتحصيلها.. ولأنه واحد من أصحاب هذه العزوة ويعرف أن كرسى الوزارة غير دائم فقد أمّن نفسه وأمّن من هم فى حكمه من علية القوم.. بالمعنى الصريح مافيش وزير يأخذ قراراً إلا وكان القرار لصالحه بعد الكرسى.. فالمنتجعات التى تقام على الطريق الصحراوى الآن تجد لها سعراً بعد تطوير الطريق ونقل محطة الرسوم وتوصيل مياه الشرب، بعد أن كان سكان هذه المنطقة وأصحاب الأراضى فيها يعيشون على مياه الآبار.. يا ناس حرام.. كفانا استخفافاً بعقول الغلابة.. و«ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء»، حتى يشعر المواطن المصرى بقيمته وأنه لا يدفع حياته ثمناً لإهمال الحكومة. [email protected]