إذا افترضنا أن الانتخابات ستجرى، وأن المحكمة الدستورية العليا ستحكم بعدم دستورية تقسيم الدوائر، يصبح من الضرورى ومن الآن التفكير الجدى فى تقسيم للدوائر، وهو ما سنتناوله فى هذا المقال، والمقال التالى. بداية يجب أن نذكر أن تقسيم الدوائر فى مصر يعد من الصعوبات الجمة التى نادراً ما نجد لها نظيرا فى أى من النظم السياسية الأخرى. هنا نشير إلى أن سكان مصر البالغ عددهم نحو 90 مليون نسمة يعيشون فيما لا يزيد على 10% فقط من مساحة المحروسة، وأن نحو 85% من مساحة مصر مناطق غير مأهولة بالسكان، وهى مناطق تتركز فى محافظات الوادى الجديد وسيناء والبحر الأحمر ومطروح. الأمر الثانى الذى يجعل هناك صعوبة فى تقسيم الدوائر الانتخابية، هو طبيعة النظام الانتخابى الذى نحترف فى تعقيده يوماً بعد يوم إلى الحد الذى ذكر لى أحد المتخصصين الألمان المعروفة بلاده بأنها تملك أكثر نظام انتخابى معقد فى العالم، بأن النظام الألمانى أبسط من نظيره المصرى. هنا نشير إلى أن تلك التعقيدات تتمثل فى وجود نظامين لتقسيم الدوائر أحدهما للفردى والآخر للقوائم وهو ما جرى به العمل فى انتخابات 1987، و2011، والانتخابات المزمعة فى 2013. كما أن هناك تقسيماً آخر للدوائر يهدف إلى تمثيل المرأة وهو ما جرت على أساسه انتخابات 1979، و1984، و2010. من ناحية أخرى، هناك المشكلات الأمنية التى لا يجب إهمالها، وتتعلق بضرورة الحفاظ على التوازنات القبلية والعشائرية، حتى لا يتم تجاهل مناطق محددة بضغطها فى دوائر أكبر، أو إبراز دوائر بها قبائل صغيرة. وإذا أضيف إلى كل ما سبق من تعقيدات، تعقيدات أخرى أفلح مشرعنا العظيم فى تكبيل مجتمعه ودولته بها، أثرت على تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل غير مباشر، وعلى رأسها تمثيل العمال والفلاحين فى الدائرة الواحدة بنسبة 50% على الأقل سواء كانت دائرة فردية أو قوائم- لاكتملت صورة البشاعة التى ارتكبها مشرعنا بحق وطنه. بعد ذلك يبقى السؤال: وما السبيل فى ظل المعضلات السابقة، خاصة أن لدينا معطى مهما فى الانتخابات القادمة هو أن الدستور المفتخر به- من قبل عظام أفسدوا راحة المصريين بكثرة مؤتمراتهم الصحفية- أبقى على القوائم مع الفردى، وعلى نسبة العمال والفلاحين؟! هذا ما سيكون الموضوع المقبل.. وعلى الله قصد السبيل.
