«ولم أر فى عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على التمام»، نحن معاشر العرب نكره التمام ونعشق النقصان، وليس لنا صبر أو جهد أو رغبة فى الوصول إلى التمام! وأنا لا أعرف بالضبط هل هى جينات وراثية أم هو طموح محدود أم هو تكاسل فى الهمة ونقص فى العزيمة؟! وإذا كانت المقدمات الصحيحة لابد أن تؤدى إلى نتائج صحيحة، إلا أن القيادة حينذاك أثبتت وبامتياز نقيض هذه البديهية! لقد كانت مصر، وبعد قيام ثورة يوليو 1952 بأربعة أعوام فقط، أحسن حالاً وأعظم تنظيمًا وأكبر حماسًا مما أصبحت عليه بعد خمسة عشر عاماً هل يصدق أحد أن ضربة الطيران الإسرائيلى على المطارات المصرية فى ذلك اليوم المشؤوم 5 يونيو 1967 هى صورة طبق الأصل من ضربة الطيران الإنجليزى على نفس المطارات صبيحة يوم 29 أكتوبر 1956؟! أليس هذا أمراً يدعو إلى الجنون؟! إن هناك مبدأً مهمًا فى الحروب يطلقون عليه الدروس المستفادة! ولكن لم يكن هناك أحد يفكر فضلاً عن أن يستفيد! إن حرب 1967 كانت حرباً ظالمة غاشمة بليدة لا تخضع لفكر أو عقل أو منطق، لقد خرجت مصر عام 1956 وبعد العدوان الثلاثى عليها من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل دولة أخرى مختلفة ظافرة منتصرة تقود الأمة العربية دون منازع وتحترمها دول الغرب المتقدم، وتتطلع إليها شعوب العالم الثالث فى آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بانبهار وتفاؤل واستبشار. غير أنها لم تستغل هذا الانتصار ورضيت بالنقص ولم تسع إلى التمام! لقد ذهبت مصر إلى حرب 1967 دون خطة محددة أو هدف معلوم أو قيادة واعية أو جيش منظم.. كانت مصر تتحدث حديث الحرب وهى تضمر الحل السياسى، بينما كانت إسرائيل تمارس السياسة بينما هى تنوى الحرب! لقد كانوا جادين وكنا هزليين.. كانوا يرغبون فى بناء إمبراطورية من النيل إلى الفرات، وكنا نبغى حفظ ماء الوجه وإغلاق المضيق اتقاء لمعايرة العرب بأن سفن إسرائيل تمر بخليج العقبة! وحينما جاءت الحرب الحقيقية عام 1973، فقد انتصر المصريون انتصارًا رائعًا غير أن هزيمة 1967 سوف تبقى شرخًا هائلاً وجرحًا داميًا وألمًا مستمرًا. محمد السيد رجب
