هناك فى النظام الدولى الجديد علاقة ضرورية بين الانتخابات أيا كان مستواها (عام - محلى- قطاعى) واتجاهات الصراع الدولى، ويظهر ذلك فيما يلى: 1- فى سياق منظور مفاهيم الحوكمة، التى تعبر من ناحية عن ترقية العلاقة بين قوى الدولة وقوى المجتمع ومؤسسات كل منهما والتفاعل بينهما، ومن ناحية اخرى عن قدرة هياكلهما على المنافسة والتكامل الدوليين، تعتبر الانتخابات مؤشرًا حيويًا وضروريًا كاشفًا لاحتمالات التحالفات العولمية على المستويين الاقليمى والدولى واولوية قضايا هذا التحالف. 2- فى سياق منظور مفاهيم الاختراق والتبعية الدوليين تعبر الانتخابات ونتائجها عن طبيعة ونمط سلطوية تعبئة الموارد، والمنهجية المتبعة فى توزيع الموارد سواء الرسمية أو غير الرسمية فى المجتمع والدولة وما يطرحة من بدائل محتملة للسياسات العامة على المستويات المختلفة سواء كانت دولية أو اقليمية. 3- فى سياق منظور مفاهيم الانتشار الديمقراطى تعبر الانتخابات، من ناحية، عن دينميات صناعة القرار السياسى العام، وما يترتب على ذلك من طبيعة للضغوط الدولية، ومن ناحية اخرى، عن احتمالات تطور الصراع والانقسام فى الدولة والمجتمع وما يترتب عليهما من احتمالات لممارسات الدبلوماسية القهرية التدخلية من جانب الدول الكبرى فى النظام الدولى وحلفائها الإقليميين. 4- فى سياق منظور مفاهيم المجتمع المدنى العالمى تؤشر الانتخابات إلى الضعف المتزايد لمفاهيم السيادة القومية التقليدية وفق مفاهيم القانون الدولى والارتفاع التدريجى لمفاهيم السيادة الديمقراطية للشعوب فى سبيل إنضاج الانقسامات الداخلية لها من ناحية، والعمل على بناء آليات دولية وإقليمية يمكن من خلالها أن تخضع هذه الانقسامات الوطنية الداخلية لسياقات وضرورات التراضى الدولى والوطنى فى نفس الوقت، من ناحية أخرى، فى هذا السياق تظهر مفاهيم الرقابة الدولية من جانب منظمات المجتمع المدنى العالمى، ومفاهيم التعبئة الشعبية للقوى العولمية العابرة للحدود، ومفاهيم الوساطات الإقليمية أو الدولية كآلية للاصلاح الديمقراطى. فى إطار هذه المنظورات الكلية الاربعة، التى يعبر كل منظور مفهومى منها عن مجموعة من المنظمات المترابطة والتمويلات المتصلة والسلوكيات والإجراءات النافذة للعمل والاتصال وهياكل وعمليات من الإغراءات والعقوبات المتوقعة، سيتم تحليل أربعة انتخابات فى العالم العربى والشرق الاوسط، وهى: الانتخابات البرلمانية الكويتية 2009، والانتخابات البرلمانية اللبنانية 2009، والانتخابات الرئاسية الإيرانية 2009، والانتخابات المحلية المغربية 2009، من زاوية أى من هذه المنظورات أدق فى التعبير عن طبيعة أى من هذه الانتخابات. وسيتم التحليل أخذا فى الاعتبار التالى: 1- أن الانتخابات فى بداية الأمر عملية دستورية رسمية، القصد منها الإفصاح عن رغبة جمهور المنتخبين فى اختيار نواتج معينة تعكس اتجاهات مفهومية وسلوكية مقصودة ومرغوبة، 2- فى هذا السياق لابد من التفرقة بين، أولا، الانتخابات، كسلسلة من الإجراءات المحددة تولد ذات نتائج بديلة مرسومة من قبل، وما يرتبط بذلك من تجاوزات أو أخطاء، وبين، ثانيا، الديمقراطية، وهى العملية التى تعكس احتمالات تطورية غير محدد مسارها من قبل، ونابعة من عمليات التفاعل الاجتماعى العام بين قوى الدولة وقوى المجتمع، وبين، ثالثا، التفاعل العالمى الدولى، المعبر عن الصراع والتعاون بين القوى والمؤسسات والدول على المستوى الدولى أو الإقليمى، 3- من خلال هذه المستويات الثلاثة تظهر لنا العلاقات بين الانتخابات والصراع الدولى وكأنها « مصيدة متعددة المراحل»، والمقصود هنا، أن إجراءات الانتخابات لا تنتهى بمجرد الإعلان الرسمى عن النتائج من جانب السلطة الرسمية، ولكن تستمر عملية الانتخابات على مستويين آخرين، هما: مستوى عملية الديمقراطية، ومستوى عملية الصراع الدولى، حيث يقوم كلا المستويين بالاشتباك مع النتائج الانتخابية فى عملية طويلة ومعقدة من الضغوط المتبادلة والتطويع المستمر والمقاومة المؤسسية والمتغيرات غير المتوقعة. سنوضح فى المقال القادم كيف تعمل هذه «المصيدة متعددة المراحل» وبالتالى ندخل فى تحليل الانتخابات المذكورة عاليه.