فى نهاية السنة الأولى لإدارة أوباما يكون من المفيد قياس ما هو نمط الصراع الدولى فى نهاية عام 2009 وبدايات 2010، ومن هذا القياس يمكن استنتاج هل تتقدم إدارة أوباما فعلاً على جبهة السلام الدولى أم لا، وهو ما تعهد به أوباما عند انتخابه 2008/2009، اعتماداً على ما لدى القوة الأمريكية من قدرة كلية على الدفع من أجل السلام العالمى، وبالتالى يمكن حساب ما هى المخاطر التى تحيط بمصر، من ناحية، وهل الدبلوماسية المصرية تقوم بدورها فى دفع إدارة أوباما للسلام اعتماداً على ما لها من علاقات متبادلة متعددة معها أم لا، من ناحية أخرى؟ فى عبارة أخرى، فى حالة ضعف نزوع إدارة أوباما للسلام العالمى ماذا تفعل مصر لتتجنب آثار فشل أوباما فى إقامة السلام العالمى والإقليمى؟ لكى نتعامل مع هذا السؤال المنهجى متعدد المستويات بشكل علمى يجب أولاً أن نحدد ما هى معالم الصراع الدولى الآن، ثم نتعامل تحليلاً مع ما هى المنهجية الدبلوماسية المصرية المتبعة فى التفاعل مع هذه المعالم من أجل إقامة السلام العادل الدولى والإقليمى ونشر العدالة الدولية، كما يتعهد بذلك الرئيس مبارك فى خطبه العامة واستراتيجيته لتنمية الأمن القومى المصرى، سعياً من أجل الكشف عن نقاط القوة والضعف فى هذه المنهجية الدبلوماسية. دعنى أحدد أولاً منهجية الكشف عن نمط الصراع الدولى فى نهاية 2009 وبدايات 2010. نستخدم مؤشر مركب من عدة مؤشرات فرعية: من ناحية أولى نسأل عن مدى التكامل فى اتجاهات الدولة من الناحية المؤسسية، ناحية الديمقراطية، ومن ناحية ثانية، نسأل عن مدى اندماج الدولة فى الاقتصاد العالمى، أو بعبارة أخرى، مدى الانفتاح الاقتصادى للاستثمار العالمى، ومن ناحية ثالثة، نسأل عن مدى انتشار العدالة المدنية بين جميع المواطنين بصرف النظر عن الخلفية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو السياسية، ومن ناحية رابعة نسأل عن مدى العنف والعسكرة فى توجهات الرأى العام تجاه الدول الأخرى، ومن ناحية خامسة، نسأل عن مدى تورط الدولة فى صراع إقليمى فعلى. هذه النواحى الخمس من الناحية المنهجية ليست متغيرات مستقلة فى مواجهة بعضها البعض فنتحسب لما بينها من ارتباطات من أجل سلامة التحليل الإحصائى، ولكنها عناصر عدة من مؤشر عام لقياس التوجه ناحية الصراع والسلام العالميين. وباستخدام هذا المؤشر المركب يمكن القول إن الصراع الدولى فى نهاية 2009 وبدايات 2010، وربما يستمر لآخر عام 2010، يتسم بالاتجاهات التالية: أولاً: عدم الاتساق بين اتجاهات الصراع الدولى، بمعنى أنه يمكن أن نجد العديد من الدول تظهر وتتعاظم فيها الاتجاه ناحية الاندماج فى النظام الدولى العالمى وبصفة خاصة الجوانب الاستثمارية منها، فى الوقت الذى نجد بها تعاظماً فى عدم العدالة المدنية بين المواطنين فى الدولة. أيضاً يظهر عدم الاتساق فى التعاظم فى التوجه ناحية تكامل اتجاهات الدولة ناحية الديمقراطية من الناحية المؤسسية، فى الوقت الذى نجد فيه انتشار اتجاهات العنف والعسكرة تجاه الدول الأخرى. ثانياً: عدم التكامل فى اتجاهات فى الصراع الدولى، حيث نجد بوضوح أن الدولة الواحدة يمكن أن تعتمد سياستين عامتين متناقضتين فى مجال عنصر المؤشر الواحد ذاته، فنجد فى بعض الدول سياسات لتعظيم حقوق المرأة من الناحية المدنية، فى الوقت ذاته الذى نلاحظ فيه سياسات تتجاهل الحقوق المدنية لجماعات اجتماعية أخرى، أو سياسات تدعو لنشر مفاهيم السلام العالمى، فى الوقت الذى ينتشر فيه النزوع الثقافى ناحية عدم التسامح المجتمعى. ثالثاً: عدم التتابع فى اتجاهات الصراع الدولى، حيث نجد بوضوح أن الدولة الواحدة لا يستمر فيها اتباع السياسة العامة نفسها فى مجال عنصر المؤشر الواحد ذاته إلا على مدى زمنى قصير. ونستمر فى التحليل فى المقال المقبل.