السابعة صباحاً.. الوقت لا يزال مبكراً، تبدو شوارع الزمالك خاوية، الحركة المعتادة لسكان المنطقة ممن اعتادوا أن يتواجدوا فى الشارع فى هذا التوقيت غير طبيعية، خاصة شارع المرعشلى، حيث يقبع مقر طلبة الجامعة الأمريكية الذى يصطف أمامه 4 عساكر وأمناء شرطة، يتبادلون الأحاديث الروتينية ويتفقون حول إفطار اليوم، وفى منتصف الشارع يقف سايس سيارة يسأله عدد من طلبة المنطقة عن موقع مدرسة ما، وفى نهاية الشارع تجمع عدد قليل من طلاب الثانوية العامة فى ذات الكافيه الذى يرتاده طلبة الجامعة الأمريكية، يتناولون إفطارهم ويراجعون ما أمكن من منهج اللغة العربية. بعد ساعة.. تزداد كثافة الطلبة وأولياء الأمور فى الشارع، يتجهون إلى شارع أحمد حشمت الذى يبعد 100 متر عن مقر طلبة الجامعة الأمريكية، وعلى بعد خطوات منه تقع لجنة امتحان بنات فى مدرسة «التجريبية الثانوية»، وبعدها بخطوات لجنة بنين فى مدرسة «الزمالك الإعدادية» ، ويسود الأجواء توتر مضاعف بفعل امتحان اليوم الأول لطلبة المرحلة الثانية من الثانوية العامة، بفعل انتشار أنفلونزا الخنازير، خاصة أن أغلب سكان المنطقة استمعوا طوال الأيام السابقة إلى عدة أخبار صحيحة وعدد أكبر من الشائعات حول إصابات فى حدائق وأندية وكافيهات الزمالك. للوهلة الأولى، تدرك أن الوضع مختلف فى شارع حشمت، عدد وفير من الكمامات والمناديل الورقية، التى يرتديها الطلبة والأهالى على حد سواء، الطلاب الذكور يرتدون الأقنعة على استحياء، ويتضاعف عدد الأقنعة لدى البنات وتبلغ النسبة ما يزيد على نصف الممتحنات، لم يمنعهن تمسكهن الظاهرى بقواعد الصحة العامة من تقبيل بعضهن البعض، يعاودن بعدها ارتداء الأقنعة. اختلف سبب ارتداء القناع الواقى، فبعض الطالبات أجبرهن أهلهن على ارتدائه حرصاً على سلامتهن، وقالت ريهام أحمد، ولى أمر: «بنتى تعبت فى المذاكرة سنتين، والحمد لله عدت تانية ثانوى على خير، ولما قلنا فى البيت خلاص هيخلص هم الثانوية العامة قبل الامتحان بكام يوم تظهر أنفلونزا الخنازير فى الزمالك»، وتابعت: «أنا عن نفسى مخلتهاش تتفرج على التليفزيون ولا تتابع أخبار الإصابات عشان متقلقش وتركز فى مذاكرتها ونزلت اشتريت لها كمامة، وربنا يعدى الأيام دى على خير، هنلاقيها منين ولا منين». أما محمود مجدى، ولى أمر، فحرص على توصيل ابنته إلى لجنة الامتحان، وقال: «المشكلة مش فى الكمامة أو الشارع، لكن يارب اللجنة تبقى فيها تهوية كويسة، أنا نبهت على بنتى متشربش مية من الموجودة فى اللجان، وإنها تغسل إيديها كويس بعد الامتحان الأول عشان الديسك والورق، لكن اللى مضايقنى إن البنت هتبقى مشغولة بمليون حاجة، مش كفاية عليها هم الامتحان». فى الثامنة والنصف تبدأ اللجان فتح أبوابها، ويصر عدد كبير من الطلبة وأولياء الأمور على البقاء خارج اللجان للاستفادة من الهواء الطلق قدر الإمكان، ويتحول الخوف من «أنفلونزا الخنازير» إلى هاجس مفزع لدى البعض، فيما لم يعره البعض الآخر اهتماماً، مثل منى محمد، التى لم ترتد الكمامة لسبب بسيط هو: «كل الحالات اللى ظهرت فى الزمالك وبرة الزمالك أجانب وطلبة جامعة أمريكية وناس جاية من برة مصر، يعنى الموضوع أمان، إلى جانب إنى مش هعرف أركز وأنا فى لجنة الامتحان والكمامة خنقانى». بينما ساق أحمد نادر، سبباً مختلفاً هو: «شكلى هيبقى عيل أوى وأنا لابس كمامة، وللسبب ده هتلاقى البنات مهتمين بالكمامة أكتر من الولاد، وبعدين إحنا اللى بيلبس كمامة مننا بنقعد نتريق عليه»، ورأى هشام السيد فائدة فى الكمامة لم يجربها حتى الآن، أنها قد تساعد الطلبة على الغش، موضحاً: «يعنى زمان الناس كانت بتكتب المنهج عى رجل البنطلون، دلوقتى بقى عندك كمامة ممكن تكتب على ضهرها وترفعها عن وشك كل شوية كإنك بتشم هوا وتقرا البرشام اللى عامله، وأعتقد إن الطريقة دى جديدة على المراقبين أنفسهم». فى التاسعة إلا خمس دقائق، يبدو الشارع خالياً مرة أخرى، تركض فتاة جاءت متأخرة، بينما يستمر عدد من أولياء الأمور فى الشارع انتظاراً لخروج أبنائهم بعد الامتحان لطمأنتهم، تنحنى سيدة على باب المدرسة الحديدى، الذى تم إغلاقه فى التاسعة تماماً، تنظر من فتحة الباب الحديدى ثم تقرب فمها منه، ترفع عنها القناع الواقى ثم تنادى بصوت مرتفع على ابنتها قائلة: «متخافيش من الامتحان.. اقرى الأسئلة كويس واوعى تقلعى الكمامة جوة اللجنة يا حبيبتى».