لو علم الألمانى «يوهانس جوتنبرج» مخترع المطبعة، أن ابتكاره التاريخى الذى قاد إلى تغيير العالم، سوف يُستخدم فى بعض المجتمعات لتغييب عقول الملايين وخداعهم، لدفن اختراعه فى «بطنه»، ولما عرف العالم شيئاً اسمه الطباعة. ولو أدرك نابليون بونابرت، الذى غزا مصر ومعه مطبعة أن الصحافة المصرية ستصل إلى هذا المستوى من التدهور والانحطاط فى الحوار، والمزايدة فى المواقف، وادعاء البطولات الوهمية والضحك على القارئ، لما جاء إلى القاهرة أصلاً، وما عرفنا الصحافة.. وما صدعنا رؤوسكم بالطبل والزمر، وما لوثنا أعينكم بالقبح والألوان الصناعية، وما ملأنا أدمغتكم بالمعلومات المضللة، والتناقضات الصارخة.. فنحن قوم ندبج شعارات الشرف والأمانة فى الصباح، ونساوم فى المساء على أشياء لا تباع ولا تُشترى! لقد هدتنى المعرفة.. ليتنى كنت خارج هذه المهنة.. قارئاً مثلك تبهره مقالات البطولة، وتفتنه عبارات الأمانة والنزاهة على شاشات الفضائيات.. ليتنى ما امتلأت بما أعرفه عن أسماء وأقلام وشخصيات كدنا نصنع لها تماثيل فى شرفاتنا.. ليتنى ما تألمت وأنا أرى القدوة تنهار أمام ناظرى.. ما أقسى أن تسقط رموزاً تربيت على إجلالها، وتوهمت سنوات أنها أكبر من أى انحراف أو مزايدة أو كذب. لا أكتب هنا دفاعاً عن حوارى مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى حضور 6 صحفيين بينهم إسرائيلى.. فاختيارى - وفقاً لقناعاتى المهنية - أكبر من أى دفاع.. وإنما عز علىّ أن نصل إلى هذه المرحلة من المزايدة والترصد، وكأن نجاحك فى هذا المجتمع جريمة ينبغى أن تدفع ثمنها نقداً كل صباح.. هكذا قال لى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل «كلما حققت نجاحاً فى الصحافة المصرية أصبحت هدفاً للهجوم والمزايدة».. عز علىّ أن تتحول تهنئة الزملاء بخطوة مهنية مهمة إلى طلقات رصاص طائشة، وكأننى جلست مع الرئيس الأمريكى فى تل أبيب، وليس تحت قبة جامعة القاهرة، وكأن الصحفية الفلسطينية التى شاركت فى اللقاء تنتمى لحزب الليكود، أما الزميل السعودى المحترم جمال خاشقجى، رئيس تحرير صحيفة «الوطن»، فقد حضر وسأل وكتب مثلى ولم يتهمه أحد بالتطبيع، مهزلة أن يتسع صدر السعوديين لما ضاقت به صدورنا المكتومة بالحقد! ما هو التطبيع؟!.. هذا هو السؤال الذى يتوجب علينا الإجابة عنه بشجاعة بدلاً من جعله تهمة جاهزة لتصفية الحسابات الشخصية.. إن الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين لم تضع مثل هذه الحالة تحت بند «التطبيع»، وإلا لسلمت رقبتى إليها.. أما أن يتخذ أحد الكتاب قراراً بالاعتذار بعد تردد طويل واستشارة بعض الحضور داخل قاعة الخطاب، فهذا ليس حجة، ولا إملاء يجب أن ألتزم به.. فقد حضرت وشاركت بناءً على طلبى قبل الخطاب بعدة أيام.. حضرت بصفتى المهنية رئيساً لتحرير «المصرى اليوم»، وليس من الواجب ولا الضمير المهنى أن أصطنع بطولة زائفة على حساب صحيفتى، وقرائها الذين من حقهم أن يطالعوا كل ما هو جاد وجديد دون سعى إلى زعامة سياسية، سرعان ما تتحول إلى دخان فى الهواء. كلنا مطبعون.. نعم.. فالصديقان حمدين صباحى ومصطفى بكرى رفضا حضور خطاب أوباما بسبب وجود السفير الإسرائيلى وشخصيات إسرائيلية أخرى.. فلماذا نقبل حضور الخطاب فى نفس القاعة وعلى بعد صف واحد من السفير الإسرائيلى، ونرفض حضور اللقاء مع «أوباما» فى حضور 6 صحفيين عرب ومسلمين وإسرائيلى واحد.. لذا فأنا أحترم قرار بكرى والصباحى، أحترمهما لأنهما لم ينفصلا عن مواقفهما المعلنة.. لم يزايدا.. ولم ينظرا للأمر بعين مغمضة وأخرى مواربة! أنا مطبع.. نعم.. ولكن قبلى وبمسافة واسعة كل الصحفيين المصريين الذين يشاركون فى لقاءات مشابهة داخل رئاسة الجمهورية فى حضور «كتيبة» صحفيين إسرائيليين.. أنا مطبع ولكن قبلى وبمسافة واسعة كل من انتمى وكتب ورضى أن يبقى فى مؤسسة «الأهرام» العريقة، حين نشرت حواراً صحفياً على صفحة كاملة مع «شارون»، الذى قتل بيديه آلاف المصريين والفلسطينيين، وأتبعته بأكثر من حوار مع وزير الزراعة الإسرائيلى. أنا مطبع.. نعم.. ولكن قبلى وأمامى وخلفى اتحاد الناشرين المصرى والعربى، الذى يحضر اجتماعات ومعارض دورية فى حضور اتحاد ناشرى الكتب الإسرائيلية، ولكم فى معرض فرانكفورت للكتاب ألف دليل، فالأجنحة المصرية تحتضن الجناح الإسرائيلى فى أكبر تظاهرة عالمية للكتاب. والنشر كما تعلمون هو «عقل الثقافة».. والمثقف الذى يرمينى بحجر عليه أن يرمى الناشرين المصريين بجبل من الحجارة؟! أيها السادة المحترمون.. أجريت حواراً صحفياً مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما.. ومن غضب من زملائى فليعرف أننى صحفى مستقل ولست سياسياً.. أما من غضب من القراء الأوفياء فأقول له: «إذا اجتهد المرء ثم أصاب فله أجران.. وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر»..! [email protected]