تذبذب أسعار الذهب في مصر: كيف تأثرت السوق المحلية بالتغيرات العالمية؟    موعد مباراة مصر القادمة أمام موريتانيا في تصفيات أمم إفريقيا 2025 والقنوات الناقلة    ارتفاع أسعار البيض اليوم الخميس 3 أكتوبر    وصول 1320 رأس عجول حية بوزن 420 طنا لميناء سفاجا    لبنان تحت القصف الإسرائيلي.. قذائف على شبعا والخيام وبرج الملوك وكفركلا في الجنوب    «القاهرة الإخبارية»: إسرائيل تشعل الحرائق في محيطها وستمتد إلى جبهات أوسع    باحث سياسي: استعداد قوي لمقاتلي حزب الله لمواجهة أي هجوم إسرائيلي    رئيس الوزراء يُهنئ وزير الدفاع بذكرى نصر أكتوبر    لا تزيدوا ملابسكم وأوقفوا أجهزة التكييف.. انخفاض الحرارة طفيف والعظمى بالقاهرة 30 درجة    ضبط تاجرة نصبت على 11 سيدة واستولت على 750 ألف جنيه بسوهاج    انتظام حركة السيارات بشوارع وميادين القاهرة الكبرى.. الخميس 3 أكتوبر    «يا ليالي الطرب الجميل هللي علينا».. قناة الحياة تنقل فعاليات مهرجان الموسيقى العربية ال 32 من دار الأوبرا    الحلقة 15 من مسلسل برغم القانون.. القبض على وليد فواز بعد هروبه    الصحة: تشغيل جراحات القلب في مستشفى الزقازيق وإجراء أول عملية قلب مفتوح    تفاصيل مناظرة النيابة لجثة شخص سقط من الطابق السابع بعين شمس    كليات جامعة القاهرة تواصل تنظيم اللقاءات التعريفية مع الطلاب الجدد    مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة: سنرد بشكل محسوب على إيران.. ولا نريد حربا شاملة    سفير كوريا الجنوبية بالقاهرة: مصر وجهة استثمارية واعدة لرؤوس أموال رواد الأعمال الكوريين    موعد مباراة الأهلي وبرشلونة في كأس العالم للأندية لكرة اليد والقنوات الناقلة    بعد إلغاء اشتراطات البناء.. هل تتراجع أسعار الحديد قريبًا؟    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الخميس 3 أكتوبر 2024    الفنانة منى جبر تعلن اعتزالها التمثيل نهائياً    سبب مفاجئ وراء استبعاد حسام حسن ل إمام عاشور من قائمة منتخب مصر.. عاجل    موعد مباراة مرموش مع فرانكفورت أمام بشكتاش اليوم في الدوري الأوروبي والقناة الناقلة    هجوم جديد ضد أحمد بلال بعد سخريته من الزمالك قبل السوبر الإفريقي    حركة تنقلات محدودة في «تموين كفر الشيخ»    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ ضربات دقيقة على الضاحية الجنوبية لبيروت    قوتها تصل ل265 حصان... شاهد سكودا سوبيرب الجديدة    "فوز ليفربول وهزيمة الريال".. نتائج مباريات أمس في دوري أبطال أوروبا    «البلدي.. لا يوكل» في الذهب| خبراء: حان وقت الشراء وخاصة السبائك    بشرى سارة.. علاج امرأة مصابة بالسكري من النوع الأول    ما هي الصدقة الجارية والغير جارية.. مركز الأزهر يوضح    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    نجوم 21 فرقة تضىء مهرجان «الإسماعيلية للفنون الشعبية»    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    أمل جديد لمرضى القلب.. تصوير مقطعي لتقييم تدفق الدم    "قومي المرأة" بالمنيا يناقش تفعيل مبادرة "بداية" لتعزيز التنمية البشرية وتمكين المرأة    محافظ الفيوم يُكرّم الحاصلين على كأس العالم لكرة اليد للكراسي المتحركة    حقيقة مقتل النائب أمين شري في الغارة الإسرائيلية على بيروت    الانقلاب يدعم المقاومة الفلسطينية بتجديد حبس 153 شاباً بتظاهرات نصرة غزة ً وحبس مخفياً قسراً    حرب أكتوبر.. اكتئاب قائد المظلات الإسرائيلي بعد فقد جنوده أمام كتيبة «16 مشاة»    عبد العزيز مخيون يكشف تفاصيل مشاركته في الجزء الثاني من مسلسل جودر    ضبط بدال تمويني تصرف فى كمية من الزيت المدعم بكفر الشيخ    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    نشرة التوك شو| الزراعة تتصدى لارتفاع أسعار البيض والبطاطس.. وتأثر النفط والذهب بالضربات الإيرانية    وزير الصحة الأسبق: هويتنا تعرضت للعبث.. ونحتاج لحفظ الذاكرة الوطنية    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    حدث ليلا| حقيقة زلزال المعادي.. وحقوق المنوفية توضح تفاصيل واقعة سب أستاذ للطلاب بألفاظ نابية    حظك اليوم| برج العقرب الخميس 3 أكتوبر.. «يومًا مليئا بالتغييرات المهمة»    حظك اليوم| برج الميزان الخميس 3 أكتوبر.. «فرصة لإعادة تقييم أهدافك وطموحاتك»    دمياط.. انطلاق فعاليات المبادرة الرئاسية بداية بقرية شرمساح    «احذر خطر الحريق».. خطأ شائع عند استخدام «الإير فراير» (تعرف عليه)    ضبط 3 أطنان لحوم حواوشي غير مطابقة للمواصفات في ثلاجة بدون ترخيص بالقليوبية    اغتيال صهر حسن نصر الله في غارة إسرائيلية على دمشق    أستون فيلا ينتزع فوزا صعبا من بايرن ميونخ في دوري الأبطال    عمرو موسي والسفير العراقي بالقاهرة يبحثان القضايا العربية على الساحة الدولية    الأحد المقبل.. وزارة الثقافة تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة بحفل موسيقي غنائي (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين العلم والأسطورة والعالم العملى

أريد فى هذا المقال استكمال الحديث عن أهمية الطريقة العلمية فى التفكير لتطور المجتمعات الإنسانية عامة، ولنا فى مصر بصفة خاصة. للطريقة العلمية، كما شرحت من قبل، شقان. شق نظرى تصورى ورياضى وشق آخر عملى وتجريبى.. الفكرة تعتمد على الفرض النظرى والنقد والتفنيد المنطقى والعملى. ولكى تنجح هذه المنظومة يجب أن تكون تداعيات النظرية، على الأقل من حيث المبدأ، قابلة للاختبار المنطقى والعملى،
وهذا يتطلب بدوره بالطبع أن تكون تكهنات النظرية وتداعياتها مفصلة وواضحة ودقيقة، لكى تقبل التأكيد أو التفنيد.. هكذا تيقن الفيلسوف العلمى، كارل بوبر، بأن أى نظرية لا يمكن أن توصف بالعلمية إلا إذا كانت لها تنبؤات واضحة يمكن اختبارها دون لبس، وأن تكون الظروف العملية والظواهر الطبيعية التى يمكن من خلالها تفنيد النظرية كامنة داخل منظومة النظرية نفسها – أى أن تتنبأ النظرية العلمية ال«قوية»، على حسب تعريف «بوبر»، بظواهر جديدة وتفشل النظرية إذا لم تتحقق تنبؤاتها.
من هذا المنظور إذن، ما يفرق النظرية العلمية عن الأساطير الميثولوجية هو التنبؤ الدقيق القابل للتفنيد لمحاولات فهم العالم. لذلك، فإن الأخيرة تشكل منظومة ثابتة، فتداعياتها ليست قابلة للنقد والتفنيد العملى، أما العلم فهو فى تطور مستمر لأنه قابل للاختبار فى كل مراحله، لذلك فإن العلاقات التى يفرضها بين الأشياء دائماً قابلة للتغير،
ذلك على عكس الأسطورة التى تهدف بالدرجة الأولى لشرح شامل للعالم، غير قابل للتغيير، لأن الهدف الأساسى منها هو بعث الطمأنينة فى نفس الناس، عن طريق إيجاد ردود سهلة ثابتة عن الأسئلة المتعلقة بطبيعة العالم وكيفية تنظيم الظواهر فيه، مما يدعم الاسقرار والإجماع الاجتماعى بدلاً من البحث الأمين الدؤوب العملى عن الحقيقة.
ميزة الطريقة العلمية إذن هى أنها عملية. لذلك، رغم أن العلم منظومة نظرية فى الأساس، فإنه قابل للتطبيق العملى والتكنولوجى. لكن دون استيعاب الجانب الفكرى النظرى التصورى، أو «الأسطورى» منها، لا أعتقد أن هناك إمكانية للمشاركة الفعالة فى مجال التطبيقات التكنولوجية.. وأعتقد أن هذه الحقيقة ليست مفهومة، ولا تؤخذ فى الاعتبار بما فيه الكفاية، عند تناول سبل تطور المجتمعات خارج الغرب، حيث تخلل الفكر العلمى الثقافة العامة، ولو ضمنياً على الأقل.
وسوء الفهم هذا ليس فقط مقصوراً على نظرتنا لأنفسنا فى مصر مثلاً، إنما يمتد أيضاً لنظرة الغرب لنا، فلا يعتقد معظم المسؤولين هناك أيضاً بوجود غرض واضح لتنمية الفكر العلمى عندنا، إنما يضعون الأولوية القصوى دائماً عند النظرة لتمويل الأبحاث عندنا فى مجالات الطب والهندسة والبيئة وإدارة الأعمال إلخ، فى تمويلهم للمشاريع والمنح البحثية مثلاً.
ولى فى هذا الصدد تجربة شخصية قد تكون مفيدة فى شرح ما أعنيه.. تقدمت فى سنة 1994 لمنحة دراسية من المعهد البريطانى بالقاهرة (تسمى بمنحة «شيفينينج» وتشرف عليها وزارة الخارجية البريطانية)، فى سبيل استكمال دراسة الدكتوراه بجامعة «ساسكس» بإنجلترا (حيث حصلت على الدكتوراه عام 1997).
عندما دعيت للقاهرة لمقابلة رئيس المعهد وبعض المسؤولين البريطانيين الآخرين بالقاهرة كان أول سؤال لديهم يتعلق بمدى فائدة الأبحاث فى المجالات العلمية النظرية البحتة مثل الفيزياء الفلكية التى كنت ومازلت أدرسها بالنسبة لبلد مثل مصر، ولماذا يتوجب على الحكومة البريطانية دعم دراساتى التى لا فائدة عملية منها بالنسبة لبلد نام، خصوصاً أنه ليس من المرجح أننى سأعود لمصر بل سأظل فى إنجلترا أو فى الغرب بعد استكمال الدكتوراه، حسب تقديرهم؟!
جاء ردى التلقائى كالآتى: منذ نحو ثلاثمائة سنة قام حاكم روسيا حينذاك «بطرس الأكبر» بمحاولة لتطوير بلاده عن طريق استيعاب التطبيقات العلمية الغربية، لكن عندما ذهب لإنجلترا لتفقد نتائج الثورة العلمية أشار له مستشاروه البريطانيون بزيارة العالم العظيم إيزاك نيوتن.
تحدث بطرس مع نيوتن لعدة ساعات بمكتب الأخير بجامعة «كامبريدج»، حاول خلالها تقصى النتائج العملية المباشرة لنظريات نيوتن، لكن كان إحباط بطرس شديداً عندما أخبره نيوتن بأنه ليس معنياً بالمرة بهذه التطبيقات إنما بفهم «نظام العالم»، وأن الفضول العلمى فقط هو الذى يحركه..
لكن، لحسن الحظ، سمع بطرس نصيحة مستشاريه وعمل، عند عودته لروسيا، على تشييد منظومة تعليمية وبحثية كاملة فى العلوم الأساسية ببلاده، وجاءت النتيجة عندما أطلقت روسيا، بعد مئات السنين من هذا الحديث، «سبوتنيك» - القمر الصناعى الأول فى تاريخ البشرية - كان يتحرك ذلك القمر حسب قوانين نيوتن للحركة وللجاذبية.
من الواضح إذن، قلت لممتحنىّ البريطانيين، إن هناك دائماً علاقة قوية بين العلم البحت والتطبيق التقنى، حتى إن لم تكن تلك العلاقة دائماً واضحة منذ البداية، لأن النظرية قد تسبق التطبيق أحياناً بمئات السنين، لكن التطبيق كامن فى جوهر النظرية العلمية، لأنها مصممة هكذا، مصممة لكى تكون لها تطبيقات عملية، لأنها مبنية على قابلية النقد والتفنيد العملى.
أعتقد أن هذه الحجة قد أقنعت ممتحنىّ بالمعهد البريطانى (لأنى حصلت على المنحة التى عادة لا تعطى للباحثين فى العلوم الأساسية!)، مع ذلك هناك الكثيرون فى مصر ممن يتشككون فى قيمه العلوم الاساسية كأداة لتطور مجتمعنا، لأنهم ربما لا يدركون أن بين الأسطورة والشعوذة وبين العالم الحديث، المبنى على التكنولوجيا المتطورة، جسراً يسمى بالعلوم الأساسية. وأن هذا الجسر نفسه هو الذى نحتاجه للتواصل مع العالم المعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.