الأربعاء الماضى بالتحديد توجهت إلى جامعة القاهرة، وعند البوابة الرئيسية لم أجد أثرا للحياة. ارتبكت قليلا ثم أدركت أن البوابة مغلقة تماما. يرجع سبب الارتباك إلى غياب أى علامة عن بدء مظاهرة، كما أنه لم تظهر علامات التواجد الكثيف لجنود الأمن المركزى (كما اعتدنا). هكذا ببساطة: البوابة مغلقة. كان لابد أن أعود أدراجى لأدخل من بوابة كلية «دار العلوم» (التى نلجأ إليها فى حال قيام مظاهرات!) وهو ما استغرق حوالى نصف ساعة بسبب الزحام الشديد. لا بأس فلم تكن هذه مشكلتى، الزحام حقيقة نعيش بها كل لحظة. كنت فقط أفكر فى سبب إغلاق البوابة الرئيسية لجامعة القاهرة، ولا بأس أيضا فكلنا نفكر فى ألف شىء فى الوقت ذاته بدون أى ترابط. دخلت الجامعة وقررت أن أمر على البنك قبل أن أصل لكلية الآداب، والبنك- لمن لا يعرف- قريب من البوابة الرئيسية نسبيا ومجاور تماما لكلية العلوم. وصلت لأجد أغرب مشهد: المدخل مغلق والأرض مغطاة بمواسير معدنية غريبة الشكل. نظرت لأعلى فرأيت عمالا «فوق هناك» يعملون بهمة ونشاط، يدقون ألواحا معدنية وينقلون معدات. كنت بالطبع قد أدركت أن تلك هى بشائر الاستعداد لاستقبال أوباما وتذكرت أننى كنت قد رأيت نوافذ كلية الحقوق تغسل بالمياه!! أما تفصيلا (وهو ما عرفته عندما وصلت للقسم) فالبوابة مغلقة لأن الأسفلت أمامها - أى أمام قبة جامعة القاهرة- لا يزال طريا، والمواسير المعدنية أمام البنك ليست إلا إعدادا لمهبط الطائرة الهليكوبتر التى سيصل فيها السيد أوباما، أما العمال فهم القائمون على تلميع القبة بتكلفة 50 ألف جنيها. لا أرى غضاضة فى أن يتم اختيار جامعة القاهرة مكانا لإلقاء خطاب أوباما، كل ما فى الأمر أننى- ومثل الكثيرين فى ذلك- لا أوافق كل تعطيل للعمل من أجل أوباما أو غيره. ولكى لا يكون هناك أى شبهة مزايدة فى الأمر فإن همى الأول لا ينحصر فى التعطيل بشكل حرفى لأن الأمور معطلة دائما بسبب أو بدون سبب. ما أقصده هو هذا الاهتمام المستفز، مستفز لأنه اهتمام بالغريب، بالضيف، بالرئيس، بالأمريكى، بالقوة، بالسلطة، أما أصحاب المكان فلا حق لهم فى الاستمتاع بلمعة القبة أو بنعومة الأسفلت أو بنظافة المكان. حتى إن مايكل سلاكمان علق فى مقال بصحيفة النيويورك تايمز على فكرة النظافة غير المسبوقة. وكأن الفكرة تتركز دائما فى «الصورة» أمام الآخر، تماما كمن ينظف بيته من أجل استقبال ضيوف. لا يعبر كل ذلك إلا عن رؤية سلطوية تماما، رؤية تؤمن بأنه يجب «تلميع» المكان قبل وصول الضيف وأنه لا أهمية أو ربما لا يوجد ضرورة أن تمنح هذه الرفاهية لأعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، باعتبارنا لن نقدر هذا الجمال أو لا نستحقه مثلا لأننا مشاغبون ولا نتوانى عن المطالبة بحقوقنا. نسيت أن أذكر أن الأسفلت الأسود الناعم الجديد يتوقف بشكل مفاجئ عند مساحات معينة، يبدو أنها لن تقع فى أفق نظر الضيف! أذكر أنه منذ حوالى أكثر من عقد، وبالتجديد عندما تم الإفراج عن نلسون مانديلا الجنوب أفريقى دعته جامعة القاهرة لإلقاء خطاب ولتكرمه أو تسلمه دكتوراه فخرية. كنت حينها أرى (ولا أزال) مانديلا بطلا يستحق التكريم فعليا، واحترت فى كيفية دخول القاعة، فأنا لم أتلق دعوة. توجهت ببساطة إلى القاعة وأخبرت المسؤول أننى معيدة بقسم اللغة الإنجليزية، وأرغب فى الاستماع لخطاب مانديلا وأننى «بدون» دعوة، أذكر أنه ضحك وقال «يا أهلا، أهلا، تفضلى». وأذكر أيضا أن الدراسة لم تتوقف فى ذلك اليوم ولم تغلق بوابة الجامعة، وكانت الأمور تسير بشكل طبيعى تماما. هل هو اختلاف الزمن واللحظة أم هو اختلاف الشخصيات، فيما معناه اختلاف الأهمية؟ هو الفارق بين أمريكا الشمالية وجنوب أفريقيا، وبينهما نقع.