تعج الساحة الفلسطينية هذه الأيام بعدد من القضايا الشائكة والمعلقة، ربما تجعلها فى حالة من التخبط وعدم الاتزان، إذ لا تقل قضية عن الأخرى فى أهميتها وحضورها السياسى، ويأتى على رأس هذه القضايا إعلان الرئيس محمود عباس عدم الترشح لولاية رئاسية أخرى، وهم على أعتاب الانتخابات بعد أقل من شهرين، وقضية إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد والمحاولات الحثيثة لحشد التأييد الدولى لمثل هذه الخطوة، فضلاً عن الحوار الفلسطينى الفلسطينى المعلق، وإعلان المصالحة.. كل هذه القضايا تقف بالفلسطينيين أمام أقدارهم، وتظهر فى أحيان كثيرة عاجزة غارقة فى تفاصيل الخلافات التى عصفت بوحدة المصير والقرار والثوابت. ومع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الفلسطينى وولاية المجلس التشريعى فى 24 يناير المقبل تفجرت معركة قانونية مبكرة بين حركتى فتح وحماس حول شرعية المؤسسات الفلسطينية ومرجعيتها، فمع إعلان حماس أنها ستمنع إجراء الانتخابات التى كانت مقررة فى هذا التاريخ، فإن المجلس المركزى لمنظمة التحرير، يجد نفسه مضطرًا للتدخل لإنقاذ النظام السياسى الفلسطينى، وحسم مسائل تتعلق بالشرعيات فى ظل الأزمتين، على صعيد المفاوضات، وعلى صعيد الانتخابات. لقد وجد عباس نفسه أمام 3 خيارات خاصة بعد إعلان لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية عدم قدرتها على إجراء الانتخابات فى موعدها بسبب عدم سماح حماس بإجرائها فى قطاع غزة والخيارات تتمثل فى إجراء الانتخابات فى موعد لاحق فى الضفة الغربية وحدها من دون قطاع غزة، أو انتظار المصالحة الوطنية، أو إبقاء الوضع القائم على حاله دون تغيير، لكن يبقى خيار عباس النهائى مرهونًا بالتطورات التى ستشهدها الأراضى الفلسطينية فى الأشهر القليلة المقبلة. فى حال عدم التوصل إلى اتفاق فإن الرئيس عباس سيجد نفسه أمام خيارين: إما إجراء الانتخابات فى موعد لاحق فى الضفة وحدها، أو إبقاء الوضع القائم كما هو عليه حيث تحكم السلطة الضفة الغربية فيما تحكم حماس قطاع غزة، غير أن المؤسسة السياسية فى الضفة منقسمة فى شأن كيفية معالجة أزمة الانتخابات فيما يرى البعض أن على الرئيس إجراء الانتخابات فى موعد لاحق وعدم انتظار حماس إلى ما لا نهاية يرى آخرون أن الرئيس يمكنه مواصلة الحكم بتفويض من المجلس المركزى الفلسطينى الذى يشكل المرجعية التشريعية لعمل السلطة. لكن ثمة اقتراحات أخرى تقضى بأن يستقيل الرئيس، ويبقى القائم بأعمال رئيس السلطة، وعليه يتم أيضًا حل المجلس التشريعى، وتشكيل مجلس تأسيس انتقالى للدولة الفلسطينية. وفى ضوء هذا الجدل القانونى الماراثونى بين السلطة وفتح وحماس بشأن الانتخابات والمصالحة التى لا تزال تراوح مكانها رغم الاتصالات الحثيثة بين مصر وحماس لتوقيع اتفاق المصالحة بعد عيد الأضحى، والذى لا تزالحركة حماس تبدى تحفظات اتجاه الورقة المصرية، وفى حال تمكنت مصر من إنجاز المصالحة كما تطمح، فإن ذلك سيشكل انقاذًا للأزمة التى نشأت بسبب منع حماس من إجراء الانتخابات فى موعدها، تظل قضية إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد من أكثر القضايا حساسية وصعوبة أيضًا، ففى الوقت الذى تطلق السلطة الفلسطينة حملة لحشد دعم دولى لمشروع قرار يعترف بدولة مستقلة على حدود 1967 مقدم إلى مجلس الأمن بعد أن أصبح الطريق مغلقًا تمامًا على صعيد المفاوضات وعملية السلام، وبدا واضحًا أنه لا مخرج سوى هذا الحل فقط، فإن إسرائيل تهدد فى المقابل برد فعل آحادى الجانب يقضى بضم المستوطنات وإلغاء اتفاق أوسلو، وفى الأيام الأخيرة يدرس نتنياهو كل الخيارات المتاحة للرد على الخطوة الفلسطينية، ومنها ضم المستوطنات الكبرى فى محيط القدس إلى إسرائيل، وفى المقابل يدرس الفلسطينيون أيضًا خياراتهم إذا ما فشلت هذه الخطوة ومن بين هذه الأفكار استئناف المقاومة، والتى أقرتها الشرعية الدولية فى مقاومة الاحتلال.