مثل مدين محترف يماطل ويرفض سداد الحقوق، فيرسل له الدائن- بعدما كلّ وتعب- وسيطًا، فيسمع الأخير من الدائن الحواديت والحجج التى تدفعه بعد طول صبر أن يسأل: يعنى أقول له إيه؟ مثلما سأل فلاح جمال مبارك فى مؤتمر الحزب السادس فى جلسة الزراعة: نرجع بلدنا نقولهم إيه؟ الرجل بعد أيام من دش الكلام وطحنه - باعتبار الطحن أملس- لم يجد حلاً، وهم جميعًا أمامه.. ابن الرئيس واتباعه، والرجل واحد منهم يدافع عنهم، ويصفق من أجلهم ويتشاجر فى المجالس التى يقولون إنها منتخبة، الرجل أعمته المصلحة ونسى قول رئيس الحزب والجمهورية إن الفلاح فى قلب الحزب، ونسى قول ابن رئيس الحزب والجمهورية إن الفلاح نصب عين الحزب والحكومة، وقوله (إنهم على دراية بجميع مشكلات الزراعة) وقوله (الحل التفكير فى التفاوض حول أسعار المحاصيل قبل زراعتها) عضو الوطنى المبجل وجه كلامه لابن الرئيس (مش عايزينها مكلمة وخلاص). وأقول لكم تحديدًا إنهم ليسوا على دراية بشىء البتة، لأنه بعد الجلسة أعلنت فى 2/11/2009 أسعار للقمح الذى بدأت زراعته بعدما زُرع البرسيم فى شهرى سبتمبر وأكتوبر، وأعلنت أسعار للذرة (200 جنيه/ إردب وكانت 400 جنيه فى العام السابق) بينما باع الفلاح الذرة فعلاً ب(100 جنيه) وخسر منذ أشهر! أشبه بهذا إعلان وزير التجارة فض الارتباط بين تصدير الأرز وتوريده للتموين، بعدما باع المزارعون الأرز بستمائة جنيه ونفهم باختصار- أنهم جميعًا لا يدرون ولا يعرفون حتى مواعيد الزراعة ولا التجارة. فى الموسم الشتوى 2007/2008 كان سعر إردب القمح حول 380 جنيهًا نزلت به الحكومة فى الموسم التالى إلى 240 جنيهًا وبررت بأن السعر العالمى هبط والاستيراد أفضل لها (وإن كان بسوس ودود وسرطان) فخسر الفلاح. وفى الأرز وصل سعر الطن فى السوق العالمية بين 5 و6 آلاف جنيه، وقالت الحكومة إنها لابد من أن تحمى المستهلك من ارتفاع السعر العالمى وهذا حق، ولكن من يدفع ثمن هذه الحماية؟ هل هو الفلاح الذى فى القلب، حسب الرئيس؟ أم الذى فى العين، حسب ابن الرئيس؟ وأصدرت لذلك قرارات ربطت تصدير الأرز بتوريد نفس الكمية للتموين مما أدى لهبوط سعر الأرز الذى يبيعه الفلاح إلى ستمائة جنيه، بينما أدى ارتفاع السعر العالمى (الذى كان وبالاً على المحبوب) إلى تكالب المصدرين لتوريد الأرز للتموين حتى وصل إلى جنيه واحد للطن، ثم تبيع الحكومة هذا الطن فى البطاقات التموينية بألف وخمسمائة جنيه، ونظير سماحها بتصدير الطن المقابل تحصل على ألفين أخرى من الجنيهات، وهكذا تحصد ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه، بينما يحصل المصدر على ألفين أو ثلاثة آلاف جنيه فى حالة التصدير بخمسة أو ستة آلاف جنيه، بينما الفلاح خاسر فعلاً عند البيع بستمائة جنيه! الدراية إذن تكون حيث يكون إدرار الأموال للحكومة والحزب ومصدريه، فقد هبطوا بسعر القمح بدعوى السعر العالمى المنخفض، وهبطوا بسعر الأرز بدعوى السعر العالمى المرتفع، وفى الحالتين خسر الفلاحون وأسرهم (40٪ من الشعب). ويقول الوزراء المعنيون إن هذه سياسة سوف تنتظم لأن الأرز يستهلك مياهًا كثيرة، وهذا أمر نفهمه بعد ظهور القرى السياحية، وملاعب الجولف والبحيرات أمام القصور، التى باتت تستهلك هذه المياه. وقال ابن الرئيس: إنه تم وضع معايير محددة لمعالجة هذه المشكلات. ورد عضو الوطنى: مش عايزينها مكلمة وخلاص. والحقيقة أنه لا شىء واضح فى معالجة الأزمة الزراعية، لا شىء، ورئيس الوزراء قال إنه لن يسهب فى هذا الموضوع لأنه باختصار ليس لديه شىء يسهب فيه والرد الوحيد على السؤال: نرجع بلدنا نقولهم إيه؟ كان من وزير الاستثمار الذى لا علاقة له بما يدور، إلا أنه مع السيد يدور: إن شاء الله كل واحد يرجع مكروم الخاطر. أؤكد لكم لا حل فى ظلهم أبدًا، مصلحتهم وقاعدتهم مصدرو الأرز، ومستوردو القمح مثلاً، لا أحد منهم يزرع أرزًا أو قمحًا أو قطنًا، فالأرض الشاسعة التى تملكوها بطرق- منها ما لا يرضى الله عنه- تزرع فاكهة وخضروات، وورودًا، تصدر رأسًا دون أن نراها أو نشمها، وأقل ما يفعلونه بهذه الأراضى تركها (للتسقيع). الفلاح ليس فى العين وليس فى القلب، إنه فى الحنجرة، ويصرف منه- فقط- كلام فى المؤتمرات أو المكلمات وخلاص.