هذه سطور فى تأصيل الليبرالية الوطنية، وفى تحريرها من مختطفيها.. قال أحدهم إننى سأذهب إلى إسرائيل إذا تلقيت دعوة للقاء نتنياهو، ومضى يحدثنا عن قواعد الصحافة وأصول المهنة وعن اللقاء المرتقب، وهذا قول على أقوال سابقة، منها من دعا إسرائيليين إلى مكاتبهم بحجة تحريك عملية السلام، ومن دعا إسرائيليين لعرض أفلام سينمائية فى دور عرض فاخرة بدعوى التواصل والحوار. وهذه كلها أقوال عابثة ورؤى فارغة.. لم يكلف أصحابها أنفسهم قراءة كتاب واحد فى الحرب أو السلام، ولا إدراك تطورات عقد واحد من عقود الصراع فى أى مكان.. لا أحد فيهم درس، بما يكفى، الحروب الأوروبية أو الآسيوية، ولا ملفات الحربين العالمية الأولى ولا الثانية.. ولا كيفية إدارة المصالح الوطنية مع الأعداء الاستراتيجيين فى سنوات القتال أو التسوية. ■ ليس عيباً أن يكون لك أعداء، وليس عيباً أن تدير المواجهة قتالاً بالسلاح أو قتالاً بالسياسة.. ولا يمثل الانحناء للعدو، استقبالاً وحفاوة، نوعاً من التحضر المرغوب أو التسامح المطلوب، لا يضحك مع الأعداء إلا السفهاء، وإنما يلتزم الأسوياء بهزيمة العدو إذا كان فى الإمكان، ووقف القتال وقبول التسوية الباردة إذا استحالت الهزيمة وصعُب الانتصار. يؤمن الليبراليون بالمذهب النفعى وبسيادة المصلحة، ومن ثم فإن منطق الفائدة هو ما يحكم الفلسفة والممارسة.. إن السؤال الذى يطرحه الليبرالى حين يفكر فى أى قضية: ما المصلحة؟ ما الفائدة؟ وما الخسائر؟ وبناء عليه يجرى اتخاذ القرار.. لا يحكم الجهل أو العبث رؤى الليبراليين الوطنيين. ما الفائدة إذن من إجراء حوار صحفى مع نتنياهو؟! الإجابة: لا فائدة. ذلك أن فشل الدول والأمم فى التعامل مع نتنياهو لا يمكن أن يحله صحفى جاء يحمل جهاز كاسيت وكاميرا للذكرى وحفنة أسئلة. لن يعطى نتنياهو القدس أثناء الحوار، ولن يوقف بناء المستوطنات لأنه تشرف باستقبال صحفى مصرى، ولن يعتذر عن حرب غزة أو يعيد اللاجئين لأنه انبهر بأضواء الكاميرا ومستوى التسجيل ووجاهة الأسئلة! ■ إن أتفه عبارة فى تبرير ذلك هى قولهم «سوف أواجهه.. سوف أحرجه.. سوف أقول له..» وهى عبارة ركيكة جاهلة.. ذلك أن أصحابها لا يتجاوزون عبارة «كتب فلان» و«أجرى الحوار».. إنهم أقل من إدراك مصائر شعوب ومستقبل أمم.. وتكتمل سذاجة الطرح حين يقولون: إنه سبق صحفى لا يمكن أن أفرط فيه، وهذا امتداد لذات الرؤية القاصرة.. حيث لا يمثل نتنياهو ولا بيريز ولا باراك أى سبق.. إنهم يلهثون وراء الإعلام العربى.. إنهم يتمنون أى سطر أو صورة يطلع عليها قراء أو مشاهدون عرب.. «هم يعرفون أن ذلك استمرار للحرب.. وبعضنا يراه فرصة للسبق». ■ فرق شاسع بين فكر ليبرالى رشيد تدار فيه المصلحة بالفلسفة وموظفى صحافة وسياسة وثقافة.. حيث الوطن بكامله مجرد سطر فى السيرة الذاتية.. وحيث الأمة بكاملها مجرد أداة للترقية.. أو مكالمة هاتفية تحمل الرضا.