أعلن الرئيس الفلسطينى «محمود عباس»، أمس الأول، أنه لن يرشح نفسه لولاية ثانية فى الانتخابات الرئاسية، التى دعا إلى إجرائها، بالتزامن مع الانتخابات التشريعية، فى 24 يناير المقبل.. وقال إنه أبلغ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح بقراره، مشيراً إلى أنه سيتخذ خطوات أخرى، سيعلنها فى حينه، وطبقاً لما صرح به مسؤول فلسطينى، فإن الرئيس أبومازن، اجتمع مع عدد من مسؤولى الأمن فى السلطة، وبرر لهم قراره بعدم الترشيح، فقال إنه يعود إلى شعوره بالإحباط الشديد من الموقف الأمريكى وموقف الدول العربية، وموقف إسرائيل، وأضاف أنه خاض الانتخابات السابقة، على أمل أن يحقق هدف إقامة دولة فلسطينية على الأرض التى احتلت عام 1967 تكون عاصمتها القدس.. ولكنه لم ينجح.. ولا يظن أن الظروف مهيأة لكى ينجح هذه المرة فيما فشل فيه. ومع أن عدم ترشيح «محمود عباس» فى الانتخابات الفلسطينية القادمة، قد يزيد المسألة الفلسطينية تعقيداً، بحكم أنه لايزال حتى الآن الطرف الفلسطينى المقبول أمريكيا وأوروبيا، كشريك فى أى مفاوضات للتوصل إلى تسوية سلمية تقوم على قاعدة الدولتين، فضلاً عن أن وجوده على رأس السلطة ينزع من إسرائيل سلاح الادعاء بأنها تسعى للسلام، ولكنها لا تجد شريكاً فلسطينياً تتفاوض معه، إلا أن عدوله عن موقفه وهو احتمال وارد بقوة فى ظل الضغوط الفلسطينية والعربية والدولية التى تعرض لها بمجرد إعلانه عن قرار عدم الترشيح - لن يحل المشكلة القائمة التى تعود فى أساسها إلى الانقسام الفلسطينى/ الفلسطينى، الذى ربما يكون السبب الرئيسى وراء الإحباط الذى دفع أبومازن لاتخاذ قراره. وسواء عدل محمود عباس عن موقفه وخاض الانتخابات الرئاسية، وخاضتها معه قائمة من حركة فتح وغيرها من الفصائل، أو خاضها غيره، فإن كل الدلائل تؤكد أن الموعد الذى حدد لإجرائها فى 24 يناير المقبل، أى بعد حوالى عشرة أسابيع من الآن، لا يوفر الوقت الكافى لإتمام الاستعدادات اللوجيستية الضرورية، لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فى وقت متزامن، فى بلد يخضع للاحتلال الذى تتجول قواته داخل شوارع مدنه، أو تقف على تقاطع الطرق بين قراه، أو تحاصره براً وبحراً وجواً وتسيطر على كل منافذ الدخول إليه والخروج منه، ويمزقه جدار فاصل، وتعرض لعدوان وحشى، دمر كل أساسيات إجراء الانتخابات.. من جداول الناخبين إلى بطاقات الانتخابات إلى مقار اللجان الانتخابية. أما من الناحية السياسية، وهى الأخطر، فقد انقسم البلد عمليا إلى بلدين، لكل منهما حكومة وعلم ونشيد، وبالتالى فمن المستحيل إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تشملهما معاً، من دون إنهاء الانقسام، ولو تمسك أبومازن بإجراء هذه الانتخابات فى 24 يناير المقبل، فسوف تحول «حكومة حماس» التى تحكم «إمارة غزة الإسلامية» دون إجراء الانتخابات فى أراضيها، ولن تسمح لمواطن من مواطنى الإمارة، بالترشح لمنصب الرئيس أو عضوية المجلس التشريعى، أو بالتصويت لأحد من المرشحين فى الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، وهو ما ينتقص من مشروعية الرئيس المنتخب سواء كان أبومازن أو كان غيره، ومشروعية المجلس التشريعى، ويفتح الباب للطعن، فى مشروعية ممارسة كل منهما لسلطاته الدستورية، بما فى ذلك الطعن فى مشروعية تفاوض الرئيس مع إسرائيل.. ودستورية إقرار المجلس التشريعى لما قد تتوصل إليه هذه المفاوضات من تسويات! أما السيناريو الأسوأ، فهو أن ترد «إمارة غزة الحمساوية الإسلامية» على إصرار «إمارة رام الله الفتحاوية الوطنية» على إجراء الانتخابات بصرف النظر عن مشاركة مواطنى غزة، بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية موازية، تقتصر المشاركة فيها ترشيحاً وتصويتاً على الغزاويين وحدهم، وتسفر عن انتخاب أمير المؤمنين إسماعيل هنية سلطاناً لغزة وخليفة للمسلمين، وبذلك يتكرس انقسام فلسطينالمحتلة. أما وقد انتهت مشروعية الطرفين بانتهاء مدة رئاسة الرئيس محمود عباس، والمدة التى أضيفت إليها، وانتهى الفصل التشريعى الذى فازت حركة حماس خلاله بأغلبية الأعضاء فى المجلس التشريعى، مما أهلها لتشكيل الحكومة، فقد أصبح الطرفان فى «الهوى سوى»، فلا حكومة حماس شرعية، ولا رئاسة «أبومازن» شرعية، ولم يعد من حق أحدهما أن يدل على الآخر بأنه يحوز شرعية يفتقدها غيره، وأن لهما معاً أن يعودا إلى الشعب الفلسطينى، ليختار رئيساً ومجلساً تشريعياً يستطيعان العمل معاً، ويتحمل مسؤولية اختياره أياً كان. ما يجرى فى فلسطين مسخرة، لن يوقفها إلا الشعب الفلسطينى، الذى آن الأوان لكى يتحرك لكى يجبر الطرفين، على إعادة الوحدة الفلسطينية والعودة مرة أخرى إلى صناديق الانتخابات، لكى يحدد اختياراته، حتى يستطيع المتضامنون معه من العرب وغير العرب، أن يعرفوا ماذا يريد، ليساندوه فيما يريد.