الطريق نحو الديمقراطية طويل وشاق، لأن الديمقراطية تعنى العدالة بين جميع البشر دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو الجنسية أو الطبقة أو الدين أو غيرها، حتى اليوم لا تشمل حقوق الإنسان حقوق نصف المجتمع من النساء، لم تتحقق الديمقراطية فى أغلب دول العالم. كيف تكون المرأة إنسانة كاملة الحقوق داخل أسرة تحكمها السلطة الأبوية؟ وهل يمكن للفقير من الطبقات الكادحة أن يتساوى مع الحاكم الثرى فى عالم طبقى رأسمالى؟ تطغى القوة على العدالة فى علاقة الدول بعضها والبعض، وفى علاقة المواطنين داخل الدولة الواحدة، وفى علاقة الأفراد داخل الأسرة ومؤسسات المجتمع المختلفة، هكذا بدأت كلمتى يوم 8 ديسمبر 2009 فى البرلمان الأوروبى بمدينة بروكسل، بمناسبة ذكرى اتفاقية الأممالمتحدة للقضاء على العنف ضد النساء، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (18 ديسمبر 1976)، والإعلان العالمى لحقوق الإنسان (10 ديسمبر 1948). الديمقراطية الحقيقية فى أى بلد لا تتحقق إلا بالنضال الشعبى نساء ورجالا داخل البلد، حتى يصبح جميع المواطنين على قدم المساواة أمام القانون. الديمقراطية الحقيقية لا تتحقق بقرارات أو إعلانات تصدر عن الأممالمتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية أو المحلية والاتفاقيات الدولية يظل أغلب بنودها حبرا على ورق. ميثاق الأممالمتحدة نفسه يعجز عن تأكيد المساواة بين الدول. انفردت الدول الاستعمارية الكبرى بصياغة ميثاق الأممالمتحدة (خلال عامى 1944 و1945) ضد أكثر من مائة دولة فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والبلاد العربية، لا تزال هذه الدول تعانى الاستغلال والقهر الاستعمارى رغم حصولها على ما يسمى بالاستقلال، وهى أغلبية الأعضاء فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان يمكنها (لو توحدت صفوفها وأهدافها) أن تقضى على الاستعمارين القديم والجديد، وتمنع الكثير من الحروب واحتلال فلسطين والعراق وغيرهما من الدول. مشكلة حقوق الإنسان (وتشمل حقوق النساء والفقراء والأطفال) أن الأغلبية من الشعوب لا يملكون الوعى ليصنعوا من أنفسهم قوة منظمة قادرة على تغيير النظام الحاكم. مشكلة الديمقراطية فى العالم غربا وشرقا هى رفض القلة الحاكمة مبدأ عدالة توزيع السلطة والثروة داخل الدولة والأسرة، أى تغيير النظام الطبقى الأبوى (الرأسمالى مثلا فى الولاياتالمتحدة أو العشائرى فى دول النفط بالخليج العربى)، تختلف درجة الاستبداد والخداع من دولة إلى دولة ومن أسرة إلى أسرة، حسب وعى الشعب نساء ورجالا، وقدرتهم على تنظيم أنفسهم، وانتخاب برلمان قوى مستقل يمكنه إقالة الحكومة وتغيير النظام كله. الديمقراطية السياسية والاقتصادية لا تنفصل عن الديمقراطية الفكرية، وتعنى حرية التفكير والتعبير وحرية التنظيم والانتخاب الحر دون أى ضغوط سياسية أو اقتصادية أو دينية، بمعنى أن يتمتع الشعب نساء ورجالا بالحريات جميعا، ومنها حرية العقيدة، أن يكون العقل والتفكير النقدى والجدل والإبداع هى أساس الحكم وليست النصوص الواردة فى الكتب الدينية أو السياسية، بمعنى فصل التعليم والثقافة والاقتصاد والسياسة والقانون عن الأديان والتراث والعقائد وغيرها مما يفرض على الإنسان منذ الولادة حتى الموت. خلال شهر ديسمبر 2009 صدرت تقارير عن حقوق الإنسان فى دول متعددة، فى الغرب والشرق، غابت عنها حقوق النساء، كأنما حقوق المرأة ليست هى حقوق الإنسان. بالقاهرة صدر تقرير أعدته 16 من منظمات حقوق الإنسان المصرية غير الحكومية، تم الكشف فيه عن الانتهاكات التى تمارسها السلطة ضد السجناء السياسيين أو الجنائيين، الذين يتعرضون لمختلف أنواع التعذيب كالضرب وغيره، كما انتقد التقرير تدخل الدولة فى القضاء ومحاولة النيل من استقلاله عن طريق السلطات الواسعة الممنوحة للسلطة التنفيذية، ورصد التقرير تعرض أفراد الشعب لانتهاكات جسيمة لحقهم فى المشاركة فى الانتخابات، وأن قانون الطوارئ المفروض منذ 1981 يعمم الاسثناءات ويهدر حكم القانون وسيادة الدولة البوليسية، وأشار التقرير إلى اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء والريف والحضر، وانتهاك حريات التعبير والنشر وحرية الصحافة والحريات الشخصية مثل حرية التنقل والاجتماع، والإبقاء على قوانين وسياسات تكرس التمييز على أساس الدين ضد الأقباط (المسيحيين المصريين) الذين يشكلون من 8 إلى 10% من سكان مصر، ثم لا شىء عن حقوق النساء، رغم أن النساء المصريات يشكلن أكثر من 50% من الشعب. هل منظمات حقوق الإنسان غير واعية بحقوق النساء؟ أم أنها تضحى بحقوقهن إرضاء للقوى الحاكمة فى الدولة والدين والعائلة؟ أهى اللعبة السياسية الأبوية عالميا ومحليا؟ يضحى فيها بحقوق الأغلبية المقهورة لصالح القلة القوية المنظمة؟ لماذا فشلت النساء وهن أكثر من 50% من المجتمع فى تنظيم أنفسهن مثل الأقباط وهم 10 % فقط من الشعب المصرى؟ لماذا فشل الفقراء فى تنظيم أنفسهم وهم أكثر من 70% من الشعب المصرى؟ أليس ذلك دليلا على سطوة الحكم الطبقى الأبوى، يفسح المجال أمام الأقليات الدينية ويضيقها أمام الأغلبية المقهورة طبقيا وأبويا؟ خلال نوفمبر 2009 جاء حكم محكمة القضاء الإدارى المصرى بالزام وزير الداخلية باستخراج جواز سفر للزوجات اللائى يمتنع أزواجهن عن استخراجه، وأكدت المحكمة فى حيثيات الحكم أن المحكمة الدستورية العليا قررت حق المواطن فى استخراج وحمل جواز سفر، فهذا حقه كمصرى، وأيضا جزء من حريته الشخصية التى نص عليها الدستور المصرى فى المادة 41 التى تؤكد أن الحرية الشخصية مصونة ولا يجوز المساس بها. تنادى المرأة المصرية حتى اليوم بتنفيذ هذا الحكم، باعتبارها مواطنة لها حقوق المواطنة كاملة. كثير من الدول العربية سبقت مصر فى إعطاء المرأة حق السفر دون الحاجة إلى موافقة الزوج، كما تم فى بعض هذه الدول العربية إلغاء حق الرجل المطلق فى الطلاق وتعدد الزوجات، وهو أمر لم يتحقق فى مصر حتى اليوم رغم ريادة الحركة النسائية المصرية فى الوطن العربى. كثير من دول العالم لا تعطى الأطفال حقوقهم الإنسانية، تتحفظ هذه الدول (تحت اسم الحفاظ على الخصوصية الثقافية أو الدينية) على بعض البنود الواردة فى الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، منها المادتان 2 و14 اللتان تمنح الطفل حرية العقيدة. أعادت بعض الدول الإسلامية صياغة هاتين المادتين لتعنى حرية ممارسة الشعائر الدينية، هناك فارق كبير بين حرية ممارسة الشعائر وحرية اختيار العقيدة. تتحفظ هذه الدول أيضا على المواد الخاصة بمنع التمييز بين الأطفال الذكور والإناث فى الحصول على بعض الحقوق مثل الكفالة أو التبنى أو النسب أو الإرث وغيرها من البنود التى تدعم السلطة الأبوية والطبقية أيضا. صدر فى مصر قانون جديد للطفل عام 2008، يمنح الأم غير المتزوجة الحق فى تسجيل مولودها فى سجل المواليد وإعطائه اسمها واستخراج شهادة ميلاد له، ويعتبر ذلك خطوة متقدمة على الطريق نحو مزيد من حقوق الإنسان للنساء والأطفال، لكن الطريق نحو العدالة والديمقراطية لا يزال طويلا وشاقا فى العالم كله.