كانت روايات الهلال هى الجسر الذى عبرت عليه إلى عالم محمد ناجى، الروائى المدهش، يومها، ندمت على أننى لم أقرأ لهذا المبدع من قبل، واليوم، نادم أكثر على أننى لم أكتب عنه إلا القليل، فقررت أن أدعو له بشفاء كبده الموجوع لكى ينبض لنا قلبه المهموم ويعيش لنا عقله المبدع الحالم، وأترجم هذا الدعاء إلى قراءة لروايته القصيرة الموحية «رجل أبله امرأة تافهة»، ومع الدعاء دعوة لقراءة روايات محمد ناجى كاعتذار متأخر ومعرفة واجبة ووجبة شهية. رواية «رجل أبله امرأة تافهة» من ناحية الشكل هى رواية مكثفة تعتمد على تكنيك مدهش متأثر بتكنيك السينما، فإيقاعها ينتمى إلى عالم أطياف الفن السابع، استفاد الكاتب فيها من المونتاج السينمائى الذى من الممكن أن يقفز على الحدث دون استهلال ممل أو مقدمة مترهلة. أحسست - برغم أن الأحداث عادية بين رجل أبله وامرأة تافهة وليست ملحمية بين بطل مغوار وأنثى لعوب - بأن الرواية حميمة وطازجة كفيلم من أفلام الموجة الجديدة فى فرنسا أو إيطاليا، إنها رواية جمالها فى أنها عادية جداً ومدهشة جداً. بطل روايتنا غير محدد الاسم والبطلة كذلك، لأن الرواية عن حالة وليست عن شخص، ولأننا نناقش وضعاً روائياً من الممكن أن يتكرر فلا تهمنا الأسماء، ولأن المؤلف يلتقط بكاميرته الروائية وضعاً اجتماعياً، ويرصد أزمة مثقف أبله وليس رجلاً بعينه وموظفة تافهة وليست امرأة بعينها، فهو يترك لخيالنا مهمة تحديد الأسماء. رجلنا فى الرواية صحفى متخصص فى شؤون العالم الثالث أفنى عمره فى شؤون هذا العالم الهامشى الذى ازداد هامشية فى هذا الزمن، وبتقلص دور وتأثير هذا العالم الثالث فى دوران عجلة المجتمع الدولى تقلص بالتبعية دور وتأثير رجلنا فى دولاب الصحافة وزحفت على صفحته فى الجريدة إعلانات عصر العولمة، وتقلص البنط وتقزمت الأعمدة وتوارت الصورة، يعيش مع ذكرياته القديمة يتأمل صورته مع كاسترو وأنديرا غاندى، وعندما قررت المؤسسة الصحفية المد للصحفيين الذين على أعتاب المعاش تعمدت نسيانه وتجاهلته متعمدة، فاختفى فى زحام الركام الصحفى وأصبح مجرد رقم فى طابور أصحاب التأمينات الاجتماعية، ومثلما هاجمته عناكب المعاش هاجمه تورم الساقين ودوالى المرىء بسبب الكبد المنهك الذى تمت إحالته هو الآخر إلى المعاش وانتهت خدمته. بطلة روايتنا امرأة جميلة تخطت الأربعين، تهتم بالتفاصيل التافهة من وجهة نظر البطل المغرم بالقضايا الكبيرة، من الممكن أن تستهلك يومها فى التفكير فى ملعقة بن أو سعر خضار أو موعد مسلسل أو رغيف خبز أو فكة فلوس أو ممارسة كى وخياطة رتق أو صناعة مربى أو خناقة مع بواب، ليس لديها مانع من أن يتخلى الرجل عن قضايا العالم الثالث ليكتب فى مجلة خليجية عن الفيديو كليب، ولكن كيف كان اللقاء؟ وماذا جمع بين الرجل الأبله والمرأة التافهة؟.