من أصعب الأمور أن تتحدث عن شخص قريب من قلبك ووثيق الصلة بك وتقضي معه وقتاً أكثر من الوقت الذي تمضيه مع أسرتك. هذا هو حالي مع الزميل والصديق محمد ناجي.. الذي أعرفه منذ كنا شباناً في مقتبل العمر، مفعمين بالآمال الانسانية العريضة ومسكونين بأحلام وردية أكثرها تواضعا حلم تغيير العالم! في ذلك الوقت كان محمد ناجي ينام ويصحو في أحضان شيطان الشعر، وقطع شوطاً مهما في تثبيت أقدامه في مملكة العروض والتفعيلات، وتصورنا -وربما تصور هو أيضاً- أنه وجد نفسه في هذا الجنس الأدبي المدهش وأنه أصبح علي مرمي حجر من التعميد كشاعر كبير. ثم أخذتنا الحياة كل إلي طريق.. فذهب هو إلي الجيش حيث قضي فترة التجنيد، ولم تكن فترة روتينية بل إنها شهدت ملحمة حرب أكتوبر 1973 وكان محمد ناجي في قلبها. وبعد مشاركته في هذه الحرب الوطنية وإنهائه فترة التجنيد سافر إلي دول الخليج حيث شارك في إنشاء عدد من الصحف المهمة في الإمارات والبحرين. وبعد سنوات عديدة عاد الطائر المهاجر محمد ناجي، وبعد أن فرقتنا السنين جمعتنا "العالم اليوم" منذ كانت مجرد فكرة، أي منذ عام 1991. منذ هذا التاريخ، أي منذ ثمانية عشر عاماً نلتقي يومياً، باستثناء أيام العطلات، نعمل سوياً، في نفس الغرفة غالباً، من الصباح حتي المساء. وليست مهنة الصحافة وحدها هي ما يربط بيننا، بل إن هناك وشائج متعددة تنمو تلقائياً، ودون إعلان أو مقدمات، تتقاطع فيها اهتمامات مشتركة متنوعة، تروي شجرة الزمالة، وتثري ينبوع الصداقة. وهذه الزمالة وتلك الصداقة لا تعني تطابق الآراء والرؤي بالضرورة، بل إنها تتضمن الاتفاق مثلما تحمل الخلاف والاختلاف في أمور كثيرة. لكن هناك مسألتين لم نختلف حولهما أبداً. المسألة الأولي هي مشروعه الأدبي في "الرواية" التي انتقل إليها "سرا" من مملكة الشعر، فصال وجال وأبدع روائع أظن أنها ستبقي من المعالم البارزة علي خريطة الرواية المصرية والعربية الحديثة والمعاصرة، ابتداء من "خافية قمر" و "العايقة بنت الزين" ومروراً ب "لحن الصباح" والمقامات ووصولاً إلي "الأفندي". المسألة الثانية هي نظرتنا المشتركة إلي الصحافة كمهنة وكرسالة. وبنقاط الاتفاق ومساحات الاختلاف ظل هذا الاقتراب الوثيق والحميم عبر سنوات ليست قليلة هو السبب الأساسي في صعوبة الكتابة عن محمد ناجي.. رغم أنه يستحق ذلك بكل تأكيد ورغم أني أظن أن لدي الكثير مما أستطيع ويجب أن أكتبه عنه أفضل من غيري. وللأسف الشديد أن تكون أول كتابة لي عن محمد ناجي إضطرارية بسبب تعرضه لمحنة صحية خطيرة، تستوجب إجراء عملية زراعة كبد بصورة عاجلة. وهي عملية تحتاج إلي إمكانيات طبية متقدمة ومتطورة كما تتطلب تكاليف باهظة لا يستطيع أن يوفرها صحفي وأديب نظيف اليد لا يملك سوي راتبه. فحتي ثمرة كدح السنين و"تحويشة العمر" في دول الخليج حرمته منها ألاعيب الحياة "وفصولها البايخة" التي استنزفت كل مدخراته، وكأنك يا أبوزيد ما غزيت!! ولست أول من يكتب عن الحالة الصحية للأديب والكاتب الصحفي محمد ناجي، بل سبقني إلي ذلك زملاء كثيرين في صحف قومية وحزبية وخاصة ومجلات أسبوعية ودوريات مصرية وعربية. ورغم أن الزملاء والأصدقاء الذين كتبوا عن محمد ناجي هم من كبار الكتاب والأدباء المرموقين، ولهم جميعاً مصداقية لا جدال فيها، فإن نداءاتهم إلي المسئولين بضرورة إصدار قرار بعلاج كاتبنا الكبير علي نفقة الدولة بالخارج ذهبت كلها أدراج الرياح. ولم يصل لنا حتي لحظة كتابة هذه السطور رد حاسم علي هذه النداءات من رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف الذي يمتلك الحق الدستوري في إصدار القرار المنشود. ولست أريد الحصول علي رد من الدكتور نظيف، أو من مكتبه، عن أسباب هذا الصمت، وإنما أريد الانضمام إلي طابور المطالبين بسرعة استصدار هذا القرار، اليوم قبل الغد، لأن الوقت في حالة الأديب محمد ناجي عنصر حاسم. ومن حق هذا الأديب الرائع، الذي تسابقت عدة جهات أدبية عالمية لترجمة رواياته البديعة، وأصبحت هذه الروايات المترجمة بالتالي سفيراً لبلادنا في الخارج، من حقه علي الدولة المصرية أن توفر له الرعاية الصحية علي أعلي مستوي. فالمبدعون والأدباء والكتاب هم في التحليل النهائي جزء من القوة الناعمة لهذا البلد، وهم أمضي أسلحته الاستراتيجية بعيدة المدي في مواجهة التحديات الاقليمية والدولية لبدايات القرن الحادي والعشرين. وإذا لم توفر الحكومة العلاج علي نفقة الدولة بالخارج لأديب وكاتب بقيمة وقامة محمد ناجي فلمن توفره إذن؟! *** إنني أكتب هذا النداء يا سيادة رئيس الوزراء ليس فقط للمطالبة بإصدار قرار للعلاج علي نفقة الدولة بالخارج لمحمد ناجي وإنما أيضاً للإسراع بذلك.. لأن الزمن عدو لا يقل ضراوة وشراسة عن المرض الخبيث الذي يهاجم كبده. وهذه الكلمات ليست رسالة مفتوحة إلي الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء فقط، وإنما هي رسالة مفتوحة أيضاً إلي الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة، والفنان فاروق حسني وزير الثقافة (الذي يفترض فيه أن يكون الراعي الأول للمثقفين والمبدعين)، والأستاذ أنس الفقي وزير الاعلام، والأستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين، والأستاذ محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب. فكل هذه الجهات تتحمل مسئولية أدبية ومعنوية تجاه مثقفي هذا البلد، الذين هم بمثابة ضميره وعقله ووجدانه، وتوفير الرعاية الطبية اللائقة لهم هو أبسط حقوقهم التي يجب أن يحصلوا عليها بكل الاحترام ودون من أو أذي. ونرجو ألا يطول بنا الانتظار. وسلامتك أيها الصديق العزيز.. والأديب المبدع.. والصحفي المحترم.. محمد عبدالعزيز ناجي. [email protected]