«أوصى مؤتمر أدباء الأقاليم، الذى عُقد فى الإسكندرية الأسبوع الماضى، وزير الثقافة بالتدخل لدى وزير الداخلية للإفراج عن الروائى السيناوى مسعد أبوفجر».. كان هذا هو الخبر الذى نقلته الصحف ومواقع الأنباء اليومين الماضيين. من تصاريف القدر أن تصدر تلك التوصية فى ذكرى مرور عامين على اعتقال أبوفجر فى 26 ديسمبر 2007، وفقا لقانون الطوارئ، متوجةً بذلك العشرات من التوصيات والمناشدات التى وُجهت إلى الحكومة المصرية لإطلاق سراحه من شخصيات ومؤسسات حقوقية عالمية وعربية ومحلية، بما فى ذلك المجلس القومى لحقوق الإنسان. فى يوليو الماضى أرسل والده الشيخ سليمان حسن حسين أبوفجر استغاثة مصورة- يمكن مشاهدتها على موقع اليوتيوب الشهير- إلى الرئيس حسنى مبارك يرجوه الإفراج عن ابنه المعتقل، مشبها الرئيس ب«صقر مصر الذى يرى ما لا يراه الآخرون». لا أتصور أن استغاثة الشيخ العجوز قد وصلت إلى الرئيس، ففى تقديرى أنه لو استمع إليها ما تردد لحظة واحدة وهو الحاكم العسكرى العام- فى إصدار قرار بالإفراج عن القاص السيناوى رفيع القدر. مسعد أبوفجر- لمن لا يعرفه- روائى مرموق ومدون وكاتب، ألقى القبض عليه فى أعقاب المظاهرات والاحتجاجات التى اندلعت فى سيناء فى شتاء 2007، بعد أن تفاعل مع مشكلات ذويه فكتب عنها فى مدونته وتحرك بنشاط للدفاع عن معتقلى تلك الأحداث. ألقى القبض عليه وأحيل إلى النيابة العامة بتهمة التحريض على الشغب وإتلاف المال العام، فلما تأكدت النيابة من نقاء صفحته أمرت بالإفراج عنه، وبدلا من أن يعود إلى أسرته قامت أجهزة الأمن باعتقاله بموجب قانون الطوارئ. ومنذ اعتقاله يتعرض مسعد أبوفجر للتغريب فى السجون البعيدة، حتى نافست تغريبته تغريبة بنى هلال الشهيرة واستقر به المقام فى سجن أبى زعبل. فى تقديرى أن استمرار اعتقال كاتب وروائى مثل مسعد أبوفجر يهدم كل تعهدات الحكومة للبرلمان بألا يُستخدم قانون الطوارئ إلا ضد مهربى المخدرات والإرهابيين، فمسعد أبوفجر لم يكن أحد هؤلاء ولا أولئك، وأغلب الظن أنه لو كان منهم لربما كان حتى اليوم طليقا، أما تحدى العشرات من الأحكام الصادرة بالإفراج عنه من محاكم أمن الدولة ومحكمة القضاء الإدارى فإنه يقوض كل ما تُروج له السلطة التنفيذية من احترامها لأحكام القضاء، وضمانها لاستقلاله وهيبته، فليس من أصول صون الهيبة أن يُضرب بأحكام القضاء عرض الحائط، ولا من طبيعة دعم الاستقلال أن يُدفع الناس دفعا إلى فقدان الثقة فى أحكام المحاكم، ما دام يجرى تجاهلها عيانا بيانا، ومن السلطة التى يفرض عليها القانون أن تسهر على تنفيذ تلك الأحكام واحترام منطوقها، وأخيرا فإن صم الآذان عن كل تلك المناشدات الإنسانية لإطلاق سراح الرجل يصم القائمين على شؤون الحكم فينا- وحاشاهم أن يكونوا كذلك- بالغلظة وعدم الاهتمام بمشاعر من يُفترض أنهم يحكمون باسمهم ولصالحهم. تجرنا قضية مسعد أبوفجر إلى فتح ملف المعتقلين وفقا لحالة الطوارئ، فحتى اليوم لم تصدر وزارة الداخلية كتابا أبيض يوضح عدد المعتقلين وفقا لحالة الطوارئ فى مصر ولا الإجراءات التى تتخذها الوزارة من أجل تصفية المعتقلات بشكل نهائى. فى تقديرى أن وزارة الداخلية مدعوة إلى البدء فى إعلان خطة واضحة لتصفية المعتقلات بشكل نهائى تُحيل من ترى إحالته منهم إلى النيابة العامة مع الأدلة على اتهامه، وتطلق سراح من يتعين إطلاق سراحه، ففى كل الأحوال أصبحت أيام حالة الطوارئ معدودة، هكذا وعد الرئيس فى برنامجه الانتخابى، ولا أظنه إلا صادق الوعد. إطلاق سراح أبوفجر آن أوانه، وحضر وقته، فما يجرى اليوم على الحدود بين مصر وقطاع غزة، يدفعنا إلى طلب إعادته إلى أهله وذويه، فأهل مسعد أبوفجر وناسه هم خط دفاعنا الأول ضد محاولات النيل من السيادة المصرية أو التشجيع على اعتبار سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين، كما أن الحكومة المصرية تحتاج اليوم- أكثر من أى وقت مضى- إلى إقناع المصريين بأنها جادة فى دعم الحريات وحماية حقوق الإنسان وإغلاق ملف الطوارئ سيئ الصيت، فالانتخابات على الأبواب ويحتاج المصريون إلى ما يطمئنهم بأن حريتهم وكرامتهم لن تكون مهددة، وأن السلطة التنفيذية عازمة على الخضوع إرادياً لأوامر القانون وأحكام والقضاء. انتهت تغريبة بنى هلال، التى استمرت ثمانى سنين، وأرجو أن تنتهى تغريبة أبوفجر قبل ذلك بكثير.