أخطر ما تعلمته، خلال السنوات الماضية، أن أى شىء يحدث فى مصر له أبعاد خفية، يصعب أن يدركها الشخص العادى، بل والخبير المحنك.. الظاهر فى هذا البلد يخفى باطناً يستعصى على الشيطان فهمه.. المصالح تحكم كل شىء.. والمؤامرات والتربيطات تحاك فى «عز الضهر».. وآخر اكتشاف أصابنى بالهلع ما علمته من أحد قيادات الحزب الوطنى الحاكم.. الرجل معروف بنزاهته ومعارضته للحكومة والحزب أحياناً.. يؤلمه أن يباع كل شىء وأى شىء، دون أن نحاسب أحداً.. وهو يعلم ما لا نعلمه، بحكم وجوده داخل «الملعب»..! كان نقاشاً موضوعياً حول قانون الضريبة العقارية.. أبديت تحفظاتى، فاتفق مع بعضها، واختلف حول أخرى.. ولكنه كشف لى ما لم أتخيله.. طرحت عليه سؤالاً بريئاً: «لماذا يقف الأغنياء ضد هذا القانون أكثر من الفقراء؟».. أعرف أن الفقير لن يدفع ضريبة عقارية.. ولكننى أتعجب من الحرب الشرسة التى يشنها الأغنياء والمسؤولون والنواب ضد قانون سيكلفهم بضعة آلاف من الجنيهات سنوياً.. لماذا لا يدفعون الضريبة وهم يملكون الملايين والمليارات.. يدهشنى أن يصفق ويهلل رؤساء تحرير وكُتاب كبار فى الصحف الحكومية لأى قرار أو قانون أو «رمشة عين» من الحزب الوطنى والحكومة، ثم يهاجمون هذا القانون؟!». صمت الرجل.. فأكملت: هذا ليس كلام المواطن البسيط.. وإنما اعترافات من مصادر داخل الحزب الوطنى.. بعضهم يؤكد أن كبار ملاك القصور والمنشآت بالحزب يحاولون إجبار وزير المالية على التراجع، ويسعون إلى الالتفاف حول تطبيق الضريبة.. هل سيختل جبل الفلوس حين تأخذ منه الدولة حبة رمل أو طوبة تبنى بها جداراً لفقير.. أنا شخصياً سأدفع ضريبة عقارية.. حسبتها فوجدتها 2000 جنيه سنوياً، أى 170 جنيهاً شهرياً.. ويمكننا استثناء السكن الخاص لمن لا يقدر على دفع الضريبة.. فما الذى يحدث داخل «عش الدبابير»؟! سأقول لك حقيقة الصراع.. هكذا نطق الرجل الهادئ.. وأكمل: الناس فى مصر طيبة.. تنظر للأمور مثلك تماماً.. لماذا لا يدفع مليونير 20 أو 30 أو حتى 50 ألف جنيه سنوياً للضرائب العقارية.. وهل سيضار ملياردير من تسديد 100 ألف جنيه سنوياً.. قطعاً لا.. الأمر أكبر من الدفع.. والصراع يعرف أسبابه الكبار فقط.. المشكلة لدى معارضى القانون بمنتهى البساطة أنهم سوف يضطرون إلى تقديم إقرار كامل ودقيق بممتلكاتهم من القصور والأراضى والعمارات والفيلات والشاليهات، وهم قطعاً يخشون من الكشف عن هذه الممتلكات، لأنها إما ستكشف عن حجم الثروة، فيأتى يوم عادل تسألهم فيه الدولة أو المجتمع «من أين لك هذا؟».. وإما أن هذه الإقرارات ستفضح فساداً كان معروفاً، ولكنه بحاجة إلى إثبات أو دليل.. هؤلاء يا سيدى يتمنون لو تخلع لهم الدولة عيناً ولا يفصحون عن ممتلكاتهم العقارية.. لأن الفساد لا يعيش فى النور، وإنما ينمو ويترعرع فى الخفاء..! نظرت إليه بذهول.. ولكنه بادرنى: «افرض أن قيادة فى الحزب أو مسؤولاً فى الحكومة قدم إقراراً بأراض وفيلات حصل عليها من الحكومة فى (هوجة) التخصيص والهدايا.. ماذا سيكون موقفه حين يسألونه: بأى حق حصلت على 3 فيلات مثلاً فى الساحل الشمالى، وبأى قانون منحوك عدة آلاف من الأفدنة للزراعة بملاليم، فسقعتها لتبيعها أراضى بالمليارات دون زرع أو تعمير أو بناء؟!». ساد الصمت بيننا.. أنا غرقت فى الدهشة، وهو سحب نفساً عميقاً من الهواء، ونفخه بغضب، ويأس.. ثم قال: «ما أقسى المعرفة فى هذا البلد.. كان نفسى أكون جاهل حتى أستريح»! [email protected]