ماذا تفعل لو زارك ضيف متدين فى بيتك؟ ربما لا تكون أنت متديناً بالمعنى المتعارف عليه فى مجتمعنا، ربما تكون غير ملتزم بالصلاة، أو الصيام، ربما لا تكون لك أى علاقة بالدين على الإطلاق، وربما لم تصم أو تصل منذ سنوات، بل ربما تكون لك ديانة أخرى غير ديانة هذا الضيف المتدين، ولك رؤية أخرى فى الحياة قد تتعارض مع منهج حياة هذا الضيف. كل هذا لا يهم.. لأن ذلك لن يثنيك عن إكرام الضيف، ومحاولة عدم جرح مشاعره أو معتقداته، على الأقل فى الفترة التى سيزورك فيها..ستحاول أن تجعل زيارته سهلة عليه وعليك، وستحاول أن تبحث عن أرضية مشتركة للحديث وقضاء الوقت معه. لا يهم كم المشاكل التى تعكر صفو حياتك، فكل الضغوط النفسية لن تمنعك من أن تبتسم فى وجهه، ولا يهم حجم الديون التى ربما تكون غارقا فيها فهى لن تمنعك من تقديم واجب الضيافة ولو بكوب من الشاى..المحصلة أنك ستقدم للضيف ما يرضيه هو، من وجهة نظره وليس ما يرضيك أنت.. وحتى إذا كنت لا تريد أن تكرمه فأضعف الإيمان ألا تؤذى مشاعره بأشياء تتعارض مع قيمه ومبادئه حتى إذا كنت لا تشاركه هذه القيم، فإكرام الضيف واجب. غير المعقول، والذى قد تعتقد أنه جنون هو موقف أحد أصدقائى غير المتدينين حين زاره شيخ متدين فى بيته، فما إن دخل ذلك الشيخ بيت صديقى حتى قام صديقى وقال للشيخ: «سأثبت لك أنى أحتفل بقدومك وزيارتك الطاهرة.. فقط أعطنى دقيقة».. ابتسم الشيخ الأسمر الذى يشع وجهه نوراً وقد جلس فى غرفة الضيوف مسبحاً، ولكن ابتسامة الشيخ الرقيقة ما لبثت أن تحولت لفم مفتوح (على البحرى) من الذهول ... فلقد رأى صديقى يدخل عليه وفى يده زجاجة من الخمر ويحمل على كتفه سماعات ضخمة تخرج منها موسيقى صاخبة.. ووقف صديقى فى منتصف الغرفة يرقص احتفالا بزيارة الشيخ ثم مال على الشيخ قائلا: (هلت) أنوارك! الشيخ هو شهر رمضان وصديقى غير المتدين هو الإعلام العربى الذى نحسن به الظن، معتبرين أنه أراد أن يحتفل بقدوم شهر رمضان المبارك (بغشامة) فوضعنا جميعا فى موقف لا نحسد عليه. تتسابق القنوات الإعلامية فى ماراثون من الفوازير والمسلسلات والبرامج ذات الإنتاج الضخم، ولا أدرى ما علاقة رمضان الذى هو شهر روحانى له وضع خاص فى العقيدة الإسلامية بالإنتاج الفنى والدرامى والترفيهى وبرامج قصص (كفاح) الفنانين.. ليكون السؤال المنطقى الوحيد الذى يمكن طرحه أمام هذا التناقض هو «إيه اللى جاب القلعة جنب البحر؟»! لماذا لا يحترم الإعلام العربى رمضان، لماذا يتحول رمضان إلى شهر ترفيهى بدلا من شهر روحانى؟ بالنسبة لى لم تعد القضية فى رمضان قضية هل المسلسلات والأفلام والبرامج الحوارية حلال أم حرام، القضية أن الباب يدق كل عام ليدخل رمضان كضيف كريم بيت كل واحد منا..المتدين وغير المتدين، الإسلامى والعلمانى، المسلم والمسيحى.. وسيكون عليك بغض النظر عن أفكارك أو أسلوب حياتك أو مدى تدينك أن تظهر لهذا الضيف.. الكثير من الاحترام. ■ من نص لا يفقد أهميته، للراحل الكبير الدكتور مصطفى محمود. [email protected]