فكرة طريفة دعت إليها الجبهة الشعبية الحرة، وهى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء، بالأطباق والملاعق، احتجاجاً على ارتفاع الأسعار، وتتزامن معها وقفة أخرى فى الإسكندرية، أمام مقر الغرفة التجارية.. الهدف منها، كما قال منسقها عصام الشريف، هو توصيل رسالة سياسية توضح معاناة الشعب من الجوع.. الفكرة بهذه الطريقة تكشف أننا أصبحت لدينا خبرة وثقافة الاحتجاج! الجديد أن هذه الجبهة تفكر فى اقتحام المناطق الشعبية، مثل المطرية وصفط اللبن ودار السلام والشرابية والجيزة، لسببين، الأول: توعية سكان هذه المناطق بالمشكلة.. الثانى: أنها تحتوى على كتلة سكانية ضخمة، تعانى من ارتفاع الأسعار.. فلم تعد احتجاجات وسط البلد كافية، ربما لأنها تبقى احتجاجات نخبة سياسية، لا يشارك فيها المواطنون المهمومون بلقمة العيش! لم يكن يحلم الذين دعوا إلى هذه التظاهرة، ولم يكن يخطر فى بالهم، أن تكون فى توقيت تنفجر فيه أزمة القمح الروسى، بحيث تهدد مصر بالجوع، مما دعا الوزير رشيد محمد رشيد لعقد اجتماع طارئ لبحث آثار القرار الروسى، وإبداء مخاوفه من إلغاء عقود بنصف مليون طن، كان مقرراً لها أن تصل خلال أسبوعين.. وبالطبع فإن الانفجار المفاجئ للأزمة يعطى زخماً لمظاهرة الأطباق والملاعق! ليست هذه هى المرة الأولى التى تندلع فيها أزمة القمح على هذا النحو، فقد حدث شىء مماثل منذ عامين، وتدخل الرئيس مبارك لدى الرئيس الفرنسى ساركوزى.. وتم شحن القمح لتغطية احتياجات الاستهلاك، ورغم هذا لم نتعلم الدرس، ودخلنا فى أزمة جديدة.. تكلف الميزانية 4 مليارات جنيه، لمواجهة الزيادة فى الأسعار، لمجرد أن روسيا قالت: «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع»! تخيلوا وتصوروا لماذا وصلنا إلى هذه الحالة؟.. وتخيلوا وتصوروا أن يكون قوت شعب مصر مرهوناً بأزمة تحدث هنا أو هناك.. وتخيلوا وتصوروا حين تراجعت إنتاجية القمح، فأصدر الرئيس الروسى ميدفيديف قراراً بالحظر، يشمل كازاخستان وأوكرانيا أيضاً.. وتخيلوا وتصوروا كيف ضربت الحكومة لخمة، ولم تعرف كيف تتصرف.. هل تعرفون السبب؟.. السبب أننا نعيش يوماً بيوم! فإلى متى نعيش يوماً بيوم؟.. وإلى متى نعمل بالبركة ودعاء الوالدين؟.. لأن الحكومة مطمئنة أنها فوق الحساب، ولأن الحكومة حين تفشل لا تخضع للتغيير، ولأن النظام السياسى كله، حين فشل فشلاً ذريعاً، لم يخضع للتغيير.. وهنا نأتى إلى جذور المشكلة الأساسية للقمح، سنعرف أنها مشكلة سياسية فى المقام الأول.. فأزمة القمح أصلها أزمة انتخابية، وأزمة سياسية! ولذلك لا تستغربوا أن وقفة الأطباق والملاعق تدعو إلى تغيير الدستور، ولا تستغربوا أيضاً أن تتحدث عن انتخابات حرة ونزيهة، ولا تستغربوا أن يهتف المشاركون فيها بإلغاء الطوارئ.. لا تستغربوا أن تكون هناك علاقة مباشرة بين لقمة العيش وصندوق الانتخابات.. لا تستغربوا أى شىء مما ترونه فى وقفة مجلس الوزراء.. هذه الحكومة هى التى زرعت الأراضى بنجيل الجولف، ولم تزرعها بالقمح! وللأسف لم نعد دولة زراعية، ولا نحن دولة صناعية.. مصر تحولت إلى دولة تنتظر الفرج.. مرة من روسيا، ومرة أخرى من فرنسا.. واللى خلانا نشحت كسرة الخبز هوه الحزب الوطنى، واللى خلانا تحت الطوارئ برضه الحزب الوطنى، واللى خلانا ننتظر شنطة رمضان هوه الحزب الوطنى.. واللى لازم تعرفوه أن أزمة القمح تبدأ بصندوق الانتخابات.. التغيير هو الحل!