أحسب أن د. حسام بدراوى– الصديق والطبيب والإنسان المصرى الرائع- قد كتب سلسلة مقالات على مدى أسبوع تقريبا، فى جريدة «المصرى اليوم»، تستحق منا جميعا فتح حوار قومى، حول نهضة التعليم... وأحسب أن ذلك الحوار ينبغى أن نشارك فيه جميعا، بجدية وموضوعية وواقعية، تتجاوب مع ما طرحه علينا رئيس لجنة التعليم بالحزب الوطنى. إن التدهور الشديد الذى لحق بالعملية التعليمية فى مصر، على مدى السنوات الماضية، دمر أجيالا كاملة من الشباب.. ولست هنا فى مجال التدليل على هذا «التدهور» بمؤشرات كمية وكيفية، لأن هذه المؤشرات واضحة أمامنا جميعا، نلمسها ونتابعها ونقرأ ونكتب عنها، ولكن فى اعتقادى أن الأهم فى اللحظة الحالية هو الخروج من «النفق المظلم»، وتبنى سياسة عامة معلنة، ومتوافقة حولها، نبدأ فى تنفيذها تدريجيا، وفقا لخطة زمنية محددة (قد تستغرق 10 سنوات أو 20 سنة)، لا تتغير بتغير الوزراء والمسؤولين، والأهم أن يصبح لنا– كمجتمع- حق المساءلة ومراقبة التنفيذ.. فى الحقيقة أن الإحباط الذى أصابنى، وأصاب غيرى من المصريين، الذين تابعوا ما يقرب من عشرين عاما، استراتيجيات ومؤتمرات التعليم، ثم القرارات «العشوائية» للإصلاح، قد دفع الكثيرين– وأنا منهم- للتوقف عن التعامل مع قضية النهوض بالتعليم بشكل جاد.. إلا أن سلسلة مقالات د. حسام بدراوى، فى «المصرى اليوم»، عن نهضة التعليم، تستدعى منا التوقف أمامها، والحوار حولها.. لماذا؟ إن كاتب هذه المقالات يشغل موقع رئيس لجنة التعليم بالحزب الوطنى الحاكم، ومعروف عنه – حتى لمن لا يعرفه شخصيا- أنه مخلص وجاد ووطنى، وقد تراكمت خبراته فى مجالات متعددة، فى مواقع تعليمية، وسياسية، وفى منظمات مجتمع مدنى انشغلت بالشباب والثقافة والإبداع، وفى المجلس القومى لحقوق الإنسان، وفى الحزب، وفى البرلمان.. خبراته هذه تؤهله إلى أن تكون لديه مصداقية، عند الغالبية العظمى منا.. يضاف إلى ذلك انشغاله بقضية القدرات التنافسية لمصر، التى يقع التعليم فى قلبها.. ومن ثم فإن مقالاته الستة عن النهوض بالتعليم اتسمت بأبعاد رئيسية مهمة، جديرة بالتوقف أمامها. أولها دعوة د. حسام بدراوى للمجتمع وصانعى السياسة التعليمية، للمشاركة فى استيعاب التحديات التى تواجه النهوض بالتعليم، و«الثبات» على رؤية محددة وسياسات تنقلنا من المكان الذى نقف فيه إلى المكان الذى نقصده بتطوير التعليم .. ثانيها يعترف الكاتب - هو الآخر- بتراكم الاستراتيجيات وتعددها، ولكن ما نحن فى حاجة إليه هو وضع خطة للتنفيذ، وبرنامج عمل له إطار زمنى، ونظم صارمة للمتابعة والتقييم. ثالثها د. حسام بدراوى يضيف مكونا «أساسيا» نحتاج إليه، ليس فقط فى السياسة التعليمية، ولكن فى جميع السياسات، فهو يتحدث عن المساءلة والمحاسبة وتوزيع الأدوار.. رابعها أن د. حسام بدراوى، وهو رئيس لجنة التعليم بالحزب الوطنى الحاكم، يتحدث إلينا ومعنا صراحة عن جهود سابقة ورئيسية للنهوض بالتعليم، قام بها وزملاؤه بالحزب الوطنى من عام 2002 حتى عام 2009، لكنه مع ذلك يقول صراحة «إن الحكومات المتعاقبة لم تنجح فى تخطى التحديات بشأن قضايا التعليم» ... وأنا من جانبى أسأل: لماذا لم تتم محاسبة الوزراء والمسؤولين؟ ما العلاقة بين رؤى وتوجيهات وسياسات مقترحة فى الحزب بالحكومة؟ لماذا يركز د. حسام بدراوى فقط على التحديات- وأنا أوافقه عليها جميعا- ولكنه يتجنب تضمين هذه التحديات ما تعلق بأداء الحكومة، وآليات المساءلة والمحاسبة للمسؤولين الذين تعاقبوا على مقعد الوزارة؟ إن الكاتب تفضل مشكورا بتحليل أربعة تحديات رئيسية تواجه- على أرض الواقع- تطبيق سياسات تطوير التعليم، وقد تركزت فى التمويل، المدرس، المدرسة، ولامركزية الإدارة.. كان أسلوب ومنهجية تعامل د. حسام بدراوى مع هذه التحديات موضوعياً وبسيطاً ومباشراً، ولكنه يحمل بين السطور الكثير.. وأكتفى فى هذا السياق بالإشارة إلى جمل قصيرة وردت فى مقالات الأستاذ والصديق حسام بدراوى، تكشف عن الواقع المؤلم للتعليم ما قبل الجامعى: ■ الإنفاق على التعليم فى موازنة الدولة يرتفع من خلال الأرقام الكلية والمخصصات المالية. ■ فى الوقت ذاته فإن نسبة الإنفاق تتجه للانخفاض فى السنوات الأخيرة. ■ الأجور تستهلك 83% من ميزانية التعليم قبل الجامعى عام 2007.. معنى هذا أن التطوير والنهوض بالتعليم قد خُصص له 17% فقط من الميزانية. ■ الكادر وحده لا يكفى لرفع كفاءة المعلمين. ■ عدم كفاءة المحليات والكوادر البشرية المؤهلة، لكى تنتقل بنا إلى اللامركزية فى إدارة وتمويل التعليم. ■ أدعو – والكلام على لسان د. حسام بدراوى (17/7/2010)- إلى أن تكون «المجانية حقيقية وليست شكلية». ■ استخدام التلاميذ الكتب الخارجية، وبعض مؤلفيها مشاركون فى إعداد وتأليف كتب الوزارة، هو على حد قول رئيس لجنة التعليم بالحزب الوطنى، يمثل تعارضا فى المصالح وهو «مدخل للفساد الكبير». ■ التعليم بنظامه الحالى يمس الفقراء ولا يدعم الحراك الاجتماعى. ■ لا تنازل عن طفرة مستدامة فى مستوى التعليم فى مصر. إن «المصرى اليوم»، بنشرها هذه المقالات الستة المهمة، حول نهضة التعليم وتحديات التطبيق (من 13-18 يوليو 2010)، والتى كتبها بكل مهنية وواقعية ومعرفة، د. حسام بدراوى، لابد أن تفتح الحوار القومى للنهوض بالتعليم، ولكنه حوار ينبغى أن يشارك فيه المسؤولون والوزراء الحاليون والسابقون، وأن يتسم بالصراحة والشفافية، وأن يستهدف بناء الثقة بينهم وبين المجتمع. وأحسب أن هناك أسئلة أساسية، على وزراء التعليم فى الثلاثين سنة الماضية الإجابة عنها: ■ أين الاستراتيجيات والوثائق والمؤتمرات القومية لتطوير التعليم، التى أُنفق عليها الملايين؟ هل كان لها مردود؟ ■ كيف نطرح عام 2010 التحديات العملية التى واجهت النهوض بالتعليم، وقد كانت من قبل واضحة وضوح الشمس؟ وهل يمكن أن نقبل الإعلان عن سياسات عامة، بينها وبين الواقع فجوات كبرى (وليس فجوة واحدة)؟ ■ هل هناك محاسبة ومساءلة للوزراء والمسؤولين عن قرارات وأفعال تمت تحت شعار «التطوير»، لكنها تصنف تحت شعار «التدمير»؟ ■ هل لدينا برنامج زمنى لتنفيذ سياسات عامة، تنهض بكل أركان العملية التعليمية، وتتحدد فيها المسؤوليات (بعيدا عن سد الخانات الرقمية)، وتمكن الرأى العام من المساءلة؟ ■ كيف استفدنا من ملايين الدولارات التى تدفقت من الخارج تحت شعار تطوير التعليم؟ نحن نطالب بكشف حساب عن إنفاقها ومردودها. وأعود مرة أخرى إلى سلسلة مقالات العزيز د. حسام بدراوى، وأطمح فى كرمه وعلمه ليرد على سؤال واحد: إذا كان لديكم كل هذه الرؤية الواقعية للنهوض بالتعليم والتعامل مع تحدياته، ألا يوجد أى تأثير لها على حكومة الحزب الوطنى؟ ترى هل يشعرون بالخطر ونحن نقترب من الهاوية؟ إن جريدة «المصرى اليوم» التى فتحت باب الحوار حول قضية النهوض بالتعليم عليها أن تستمر بشكل منتظم ومخطط له فى تناول هذا الموضوع، الذى يمس إحدى قضايا الأمن القومى المصرى.. نتطلع إلى قراءة شهادات موثقة لوزراء التعليم فى مصر، الذين تعاقبوا على مدى ثلاثين عاما: ماذا فعلوا؟ وما الذى حدث فى عهد كل منهم ليصل التعليم إلى ما نحن عليه الآن؟