■ فى اللقاء الأخير الذى جمع بين الرئيس عباس والمبعوث الأمريكى لعملية السلام جورج ميتشل قبل نحو أسبوعين، استمع الأخير لمدة ربع ساعة إلى شخصية غير معروفة فى السياسة الفلسطينية هو أحد قادة مجموعة «تكامل»، التى تدعو إلى إقامة دولة واحدة على أرض فلسطين التاريخية، وذلك بعد سقوط خيار الدولتين. لقد جاء اختيار الرئيس الفلسطينى محمود عباس لهذه الشخصية للقاء ميتشل تتويجاً لسلسلة إشارات فى محافل دولية وإقليمية ومحلية لوح فيها بخيار حل الدولة الواحدة، لتذكير إسرائيل بأن حل الدولتين غير المقبول لديها فى هذه المرحلة ربما يعتبر الأسهل عليها مستقبلاً. الجدير بالذكر أنه فى الآونة الأخيرة بدأت تطالب شخصيات فلسطينية بالعمل على حل الدولة الواحدة، بعد أن أسقطت إسرائيل حل الدولتين وجعلته غير ممكن، بفعل التوسع الاستيطانى الذى يمزق الأرض ويجعل من إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً أمراً مستحيلاً، وانضم لهؤلاء عدد غير قليل من قادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية الذين تولدت لديهم قناعة باستحالة إمكان الوصول إلى حل الدولتين فى ظل التهويد المتسارع لمدينة القدس، وأجزاء واسعة من الضفة الغربية. وفى الوقت الذى يعكف فيه مثقفون وناشطون معظمهم من الكوادر الوسطى فى حركة فتح ومستقلون، على تشكيل مجموعة سياسية جديدة للعمل على حل الدولتين، تحمل اسم «تكامل» وتحظى بدعم الرئيس عباس، وترى هذه المجموعة أن حل الدولة الواحدة قادر على احتواء كل الأزمات والملفات المتفجرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين مثل ملفات اللاجئين والاستيطان والمياه والحدود والقدس، يرى مراقبون أن الدعم الذى يظهره الرئيس عباس لهذه المجموعة يرمى إلى التلويح لإسرائيل والإدارة الأمريكية بأن لدى الفلسطينيين بدائل لحل الدولتين، يبدو الأخير معها أقل كلفة للدولة العبرية التى تسعى للحصول على اعتراف دولى وعربى وفلسطينى بيهوديتها. خاصة أن نتنياهو لا ينفك فى مطالبة القيادة الفلسطينية بتفاوض مباشر وكثيف، دون شروط مسبقة، لكنه يضع شروطاً مسبقة كالاعتراف الفلسطينى بدولة يهودية تضاف لها الكتل الاستيطانية، والأمن فى الضفة يجب أن يكون بيد إسرائيل لا بيد قوات دولية، وتكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ويشطب حق اللاجئين فى العودة، يضاف إلى ذلك الإقرار الفلسطينى بنهاية المطالب التاريخية وإسدال الستار على آخر فصول الصراع. واللافت أن الحل الذى يقدمه نتنياهو، فى ضوء رفض حكومته بحث ملف القدس فى المفاوضات المقترحة والإصرار على ضم أجزاء واسعة من الضفة على نحو يعوق إقامة دولة متواصلة جغرافياً، يتضمن من وجهة نظر إسرائيلية تنازلات سخية ومؤلمة وستتحمل القيادة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن إهدار هذه الفرصة بمثل تحمل إهدار عطاء أولمرت المفرط فى سخائه، وبمثل ما تحملت قيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات إهدار سخاء إيهود باراك وجهوده فى قلب كل الأحجار بحثاً عن السلام. غير أن الفلسطينيين، وبعد جهود مضنية فى التفاوض مع إسرائيل، توصلوا إلى قناعة بأن حل الدولتين بالمفهوم الإسرائيلى يتضمن اشتراطات فى مقدمتها شطب قضية اللاجئين، والسيطرة الأمنية والاعتراف بدولة يهودية، وهى شروط نتنياهو، والحل الذى يتقاطع مع حلول نتنياهو هو حل «البقاء دون حل»، فإسرائيل عاشت 60 عاماً دون حل وحققت جميع الإنجازات دون حل القضية الفلسطينية، وهى تستطيع اتخاذ خطوات أحادية الجانب كما فعلت فى نموذج غزة، ويمكن الانفصال عن مناطق فى الضفة أيضاً من طرف واحد، والأكيد أن الذهاب للمفاوضات بهذا الشكل ووفق هذه المعطيات يوفر التغطية اللازمة لمواصلة إسرائيل الاستيطان وتعميق الاحتلال.