البطل هو الذى يقبل أن يضحى بسعادته الشخصية، بل بحياته فى سبيل هدف أسمى يؤمن به.. ولا يجوز تصنيف عريان يوسف سعد إلا كبطل، ففى صغره ضحى بمستقبله وقبل التضحية بحياته فى سبيل هدف أسمى هو «مصر»، وإيمانه الراسخ بوحدة أبنائها وعلاقاتهم الأخوية المتينة، بغض النظر عن اختلاف عقائدهم الدينية. سجن وعمره 19 سنة فى محاولة اغتيال يوسف وهبة باشا سنة 1919 وخرج من السجن عمره 23 سنة وتزوج بعدها وعمره ما يقرب من 30 سنة، وعاش فى القاهرة وعمل فى مجلس الشيوخ ومما فرض عليه السياسة مرة أخرى بعدما كان أقلع عنها، ثم عمل مندوباً لمصر فى لجنة مقاطعة إسرائيل، وأخيرا فى الأعمال الخاصة حتى «يستر بيته» - على حد قول حفيده أشرف شنودة الذى أجرت معه «المصرى اليوم» هذا الحوار.. ■ ماذا عن نشأة عريان يوسف؟ - ولد فى 25 مايو 1899 بالقرب من ميت غمر (إحدى مدن الدقهلية) وهو السادس بين إخوته الاثنى عشر، انتقل إلى القاهرة لمواصلة تعليمه الثانوى حيث تفوق فى دراسته والتحق بكلية الطب فى ميت غمر. ■ كيف اتجه للسياسة؟ - لم يكن له أى مسلك سياسى فى البداية وكان شاباً مثل أى شاب، وكان أول دفعته فى كلية الطب، فكان مجتهدا والمفروض أنه كان سيصبح طبيباً لولا جاء فى وقت دراسته موضوع زيارة ملنر لمصر وبدأ يأخذ جانب سياسى كما وصف فى مذكراته أنه أصبح صاحب قضية أى أصبح متخيلا أنه «عنده واجب لازم يعمله»، ومع تولى أول رئيس وزارة قبطى وهو يوسف وهبة باشا ازدادت الأمور بالنسبة إليه حتى إنه أراد أن ينبه أو يمنع التقارب الذى سيحدث بين يوسف وهبة والإنجليز، والذى غالبا ما سوف يؤدى إلى أضرار بالشعب المصرى.. وحتى ينفذ هذا الفكر فقد رأى الحل فى أن يغتاله ويسلم نفسه. وهذا هو الدور البطولى له وليس له أى أبعاد سياسية أخرى ولا حتى بعد خروجه من السجن. ■ لماذا اراد تنفيذ عملية الاغتيال بنفسه؟ - لأنه خاف فى ذلك الوقت من أن يُغتال من قبل شخص مسلماً وتحدث فتنة بين المسلمين والمسحيين، وأن يحدث تشوه للحركة الوطنية ككل فى جميع أنحاء مصر، وبكل تأكيد كان سيقول الإنجليز إن السبب الرئيسى للاغتيال هو الاحتقان بين المسيحى والمسلم وسيؤدى ذلك إلى قيام حرب بين المسيحيين والمسلمين. ■ ما موقفه حينما اعتقل سعد زغلول فى 9 مارس 1919؟ - انضم إلى مظاهرة ضخمة قامت من الأزهر حيث تم اعتقاله مع الطلاب المتظاهرين وبعد الإفراج عنه ذهب وزملاؤه إلى ميت غمر، فالسلطة العسكرية منعت وقتها الانتقال من القاهرة وإليها.. فهربوا فى قارب شراعى ووصلوا ميت غمر فوجدوا ميت غمر أعلنت استقلالها ولكن لم يستمر الوضع كثيراً لعودة الإنجليز لها مرة أخرى، وهنا قرر عريان يوسف سعد الانضمام لمنظمة اليد السوداء لاستعادة حقوق المصريين. ■ ماذا كان موقف عريان يوسف سعد قبل محاولة الاغتيال؟ - قرر بداخله أن المظاهرات قد لا تؤثر، وإذا دبر اعتداء عليه سيقال إن المسلمين اعتدوا على رئيس الوزراء لأنه قبطى، ولهذا قرر أن يقوم بالعملية ويسلّم نفسه كدليل على أن المعتدى قبطى وبالتالى التقى عريان يوسف سعد أحد أعضاء منظمة اليد السوداء واتفقا على التنفيذ وتربص له فى قهوة ريش وعندما مرت سيارة يوسف وهبة أخرج القنبلة من جيبه وقذفها نحو السيارة لكن السائق دار حول نفسه واستقرت القنبلة بجانب العجلة الخلفية وانفجرت ونجا يوسف وهبة باشا وقبض على عريان يوسف سعد وأُخضع للتحقيق. ■ ماذا عن مقابلته مع رئيس الوزراء قبل محاكمته؟ - هذه المقابلة أكدت المفهوم والفكرة التى يريد أن يوصلها الأقباط ل«يوسف وهبة» حتى إننى أذكر مقولة لجدى وهو يحكى معى وهو فى سن الخمسين وهى «الحمد الله إنى مقتلتوش، وصلنا للحاجة اللى عايزين نوصلها وعرفنا نقول إنه فى إخوة بين المسيحيين والمسلمين ومفيش مشكلة بينهم، حتى إن القبطى حاول اغتيال قبطى آخر ليبعد الشبهة عن إخواته المسلمين، والحمد الله أنه لم يمت حتى لا تلطخ يدى بالدماء وأكون قاتلا عند ربى». ■ لماذا قبل عريان يوسف أن يترافع عنه إنجليزى رغم كرهه لهم ومحاولته اغتيال من يتعامل معهم كما حدث؟ - هو رفض فى بداية الأمر إلا أن شقيقه أقنعه فى النهاية وأعتقد أنه كان مضطرا لذلك بعدما أحس أنه سيعدم، واستطاع المحامى وبصعوبة أن يعدّل اعترافه من تعمد القتل إلى إرهاب رئيس الوزراء لتخفيف الحكم وهو 10 سنوات. ■ ماذا عن موقفه عندما نُطق بالحكم عليه 10 سنوات؟ - تقبّل الموقف، خاصة أنه كان متوقعا من الجميع عقوبة أكثر، لكن الذى كان يخفف عليه المعاملة الحسنة من قبل بعض المسؤولين بالسجن مع أن البعض الآخر يعامله كإرهابى قاتل، منهم مدير السجن الذى كان يعامله معاملة قاسية جدا ودائما ما كان يوجه له عقوبات أكثر من المساجين الآخرين. ■ عريان سعد قدم حياته ثمناً للوحدة الوطنية.. فماذا عن هذه الوحدة الآن؟ - الوحدة الوطنية الآن مضطربة، لأننا وسط التطور التكنولوجى وتطور العالم الحديث بدأنا ننسى المبادئ التى جعلت منا أناساً عندها قيم.. ومع قلة القيم وتطور التكنولوجيا اضطربت العلاقات.. واليوم ناس كتيرة تبحث عن «اللى يفرّقنا أكتر من اللى يجمعنا ومابقيناش مصر بتاعة زمان» والمستوى الأخلاقى للإنسان المعاصر لا يتناسب مع التطوّر التقنى الذى يتطلب بالضرورة إنساناً جديداً أرقى نفسيا، أى بطلا بالمعنى الذى أعطانا إياه عريان سعد، ولذلك أراد الناشر أن يطبع هذا الكتاب. ■ إذن الدافع الرئيسى لإصدار الكتاب هو الناشر المهتم بالوحدة الوطنية؟ - ليس فقط الناشر المهتم بالقضية، بل كل مصرى، فجاءت البداية عندما نشرت فى سبتمبر سنة 2005 بمجلة «أخبار الأدب» مذكرات يوسف سعد، وظهرت مبادرة الناشر، رغبة منه فى تقديم مثل حى من حقبة تاريخية كانت تنادى بالوحدة الوطنية والبحث عما يجمع بيننا وليس عما يفرقنا وظهر الكتاب سنة 2007. ■ ماذا عن علاقتك بعائلة يوسف وهبة باشا؟ - أنا صديقى حفيد يوسف وهبة وكنا نتقابل شبه يوميا فى النادى فى صغرنا، حتى إنه لم يعرف قصة الاغتيال إلا من خلال نشرى المذكرات سنة 2005 فى مجلة «أخبار الأدب»، وتقبل الموقف وحتى الآن نحن أصدقاء وبيننا علاقة محبة ومودة، بالإضافة إلى أنه بعد إصدار الكتاب جلسنا فى قهوة «ريش» مع الناشر وحفيدة يوسف وهبة.